أنجز الباحثون في معامل مايكروسوفت البحثية في كامبريدج تقريرا من مئة صفحة يشرحون فيه كيف ستكون العلاقة بين الحاسوب والإنسان بحلول عام 2020. التقرير الذي صدر خلال شهر أبريل 2008 يكشف التطور الذي ستعرفه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأمر الذي سيؤثر على حياتنا بحلول عام 2020.
التقرير المعنون بـ BEING HUMAN HUMAN-COMPUTER INTERACTIONIN THE YEAR 2020 أو الإنسان (الكائن البشري) والتفاعل الإنساني مع الحاسوب خلال سنة 2020 يتنبأ بتطور الحواسب حيث ستصبح أذكى، وقادرة على التعلم وبالتالي معرفة انتظارات الناس بدون إعطاء الأوامر.
كما ستتطور واجهة الحاسوب/ الإنسان من «واجهة المستخدم الرسومية» graphical user interface التي تشكل حاليا واجهة المستخدم المعروفة في أنظمة الويندوز مثلا والتي تؤمن التفاعل مع الحاسب باستخدام أغراض وصور رسومية (نقر الفأرة...) إلى شيء يتفاعل بالكلمة والحركات والنظر وحتى التفكير... وهنا يكمن التطور الهائل حيث ستمكن المستخدم من التواصل مع تكنولوجيا المستقبل بواسطة الكلام وعبر الحركة.. كما ستسهل التكنولوجيا إمكانية الوصول إلى المعلومة بسرعة وبسهولة عبر العالم الافتراضي..
إن الإنسان سيصبح كيانا رقميا مبنى ومعنى، بسبب التداخل الكبير بين الإنسان والتكنولوجيا (تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو RFID مثلا).. ويذكر التقرير التسهيلات التي ستوفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة, والإمكانيات الهائلة التي سيشهدها عالم الطب بفضل العمليات الجراحية عن بُعد, بالإضافة إلى العمليات التي تعتمد على النانوتكنوجي (ربوتات نانوية ورقيقات تُحْقن في الدّماء أو تُغرس في الدّماغ أو تحت الجلد..).
التفاعل الإنساني-الحاسوبي
لقد ركز التقرير على التغيرات التي ستطرأ على تفاعل الإنسان مع الحاسوب أو ما يسمى «التفاعل الإنساني-الحاسوبي» Human-Computer Interaction (HCI) أي دراسة التفاعل بين الناس People أو المستخدمين Users والحواسيب.
يعتبر تفاعل الإنسان مع الحاسوب من العلوم التي تعنى بتصميم وتمحيص وتحرير وصناعة الأنظمة للاستخدام الإنساني ودراسة كل المسائل المتعلقة بكل ما يتداخل مع تلك الأمور.
في أواخر السبعينيات، كان الهدف الرئيسي لـ HCI هو استخدام الحاسوبusability، أما الآن بدأ الحديث عن نفعية التكنولوجيا وليس فقط الاستخدام (things that are not just usable but useful).
محتوى التقرير
التقرير مقسم إلى 4 فصول:
1. في الفصل الأول، يستشرف التقرير التطورات التي ستعرفها التكنولوجيا، ويرسم التغيرات الكبيرة التي طرأت على الحوسبة، على الحياة والمجتمع واستشراف إلى أين ستتجه البشرية. فلقد أصبح الحاسوب جزءا مهما من حياتنا اليومية لا يمكن الاستغناء عنه، ويقول البعض: إنه لا يتصور الحياة بدونه.. إنه مصدر معلوماتنا ومخزن لها.
إنه عصر الحاسوب، عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (يكفي أن ننظر إلى الانفجار المعلوماتي وازدياد عدد مستخدمي الإنترنت). لقد تطور الحاسوب إلى ما يعرف بمرحلة الطور الرابع (التي تمتد من 2020 إلى 2050) حيث ستكون الحواسب مجهزة بقدرات فائقة من الذكاء الاصطناعي تتفاعل مع الإنسان.
هذه الحوسبة الحاضرة في كل مكان ستلعب دورا كبيرا في تغيير الطريقة التي عشنا بها على مدى العقدين الماضيين.
كما يشير التقرير إلى دور الروبوتات في حياتنا اليومية، حيث ستساعدنا في الأعمال المنزلية، وتقوم بدلنا بالأعمال الخطيرة (حالات الطوارئ) كما سيتم الاستفادة من خدماتها في المجال العسكري.
فحسب التقرير، فبحلول عام 2020 ستكون الآلات قادرة على توقع ما نريد منها.
2. في الفصل الثاني يحاول التقرير استشراف التحولات التي ستطرأ على علاقتنا بالحاسوب/ الآلة، حيث يحدد 5 تحولات رئيسية:
- نهاية واجهة المستخدم الثابثة:
التفاعل بين مستخدمي الحاسوب والأنظمة يحدث في واجهة الاستخدام، والذي يشمل على سبيل المثال البرمجيات والمعدات، والأجهزة الطرفية للحاسوب كالشاشة والفأرة ومفاتيح الحاسوب. هذا النوع من التفاعل سيصبح متجاوزا حيث سيعتمد على الحركة والكلام من أجل التواصل. فحسب التقرير، سنجد صعوبة في التمييز بيننا وبين الآلات عندما تصبح الأجهزة مدمجة مع الإنسان، مما سينعكس على خصوصية الفرد.
- زيادة الارتباط التكنولوجي:
لقد غزت التكنولوجيا الحديثة حياتنا بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، فالأجهزة تحيط بنا في هذا العصر من كل جانب، سواء في المنزل أو في السفر أو في العمل. وكثيراً ما يقضي المرء يومه بالكامل أمام شاشة الكمبيوتر: فيضحك أحياناً أو يصيبه الملل أو يغضب عندما يرفض الجهاز تنفيذ أوامره. التكنولوجيا صارت كيانا مؤثرا في حد ذاته، تؤثر في طريقة تفكيرنا وتشكيل رؤيتنا.
- الزيادة المفرطة في الاتصال:
الحدود المادية التي تفصلنا عن الحواسب أصبحت غير واضحة وقد تختفي تماما. أصبحنا نعيش إفراطا في الاتصال، وأعمالنا ومحادثاتنا وتفاعلاتنا أصبحت بشكل متزايد محفورة في حياتنا الرقمية.
- نهاية المؤقت:
لقد أصبحنا نعيش في عالم حيث تفاعلاتنا وتحركاتنا تسجل بواسطة الآلات المنتشرة في كل مكان (كاميرات المراقبة في الشوارع العامة والبطاقات الذكية وموجات RFID..)
- نمو المشاركة الخلاقة والمبدعة:
أصبح هناك مجال أكبر من أي وقت مضى لحل المشاكل الصعبة وإمكانية إنجاز أشكال جديدة من المشاركة والإبداع (مثال: ظهور فرق موسيقية ولو تباعدت الأمكنة بفضل الإنترنت).
3. أما الفصل الثالث (التطلع إلى المستقبل) يهتم بـ HCI كحقل للبحث وكمجموعة من الباحثين والمصممين، وكيف يمكن أن تطور البشرية هذا العلم مع التركيز على القيم الإنسانية.
حسب مؤلفي التقرير، بحلول عام 2020، لن يكون بالإمكان تحقيق كل أهدافنا، وطموحاتنا وتطلعاتنا بدون استخدام الحاسوب بطريقة أو بأخرى.
ويخلص التقرير في الفصل الثالث إلى أن تكنولوجيا الحاسوب ليست محايدة، فالتكنولوجيا تتغير، الناس يتغيرون والمجتمع يتغير. مما يتطلب من الباحثين في مجال HCI اكتساب مهارات ومعارف للتعامل مع المتغيرات الكبيرة التي ستعرفها السنوات المقبلة، والذي سيكون لها تأثيرها على القيم الإنسانية.
طوال الأعوام الخمسين المنصرمة كانت التكنولوجيا تعتبر مجرد عامل تأثير خارجي، واستعملت الآلات كالـ الهواتف النقالة باعتبارها محايدة، لكن التطور الأخير لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أظهر أن التكنولوجيا صارت تؤثر فينا وتوجهنا...
4. وفي الفصل الأخير لخص فيه التقرير أهم التوصيات بغرض تطوير علمHCI مع شرح مهم لهذا الحقل المعرفي. والتوجهات المستقبلية، حيث يقدم سبع توصيات تهدف إلى مساعدة HCI تنعكس على نحو أفضل داخل العالم الذي تعمل فيه:
التوصيه 1: إعادة النظر في أساليب البحث والتصميم في HCI
التوصيه 2: أكثر وضوحا لدور HCI
التوصيه 3: تطوير تقنيات تسمح لـ HCI بالتعاون مع غيرها من التخصصات الأخرى
التوصيه 4: تعليم HCI إلى الشباب
التوصيه 5: تدريب الباحثين في مجال HCI
التوصيه 6: دور أكثر لـ HCI في بناء مستقبل التدبير الحكومي والسياسة
التوصيه 7: قدرة على الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات في القيم الإنسانية من أجل مستقبل أفضل.
وأخيرا.. يبقى السؤال المهم: هل الإنسانية مؤهلة لاستقبال الآثار النفسية لما تصنع أيدينا من تكنولوجيا؟
إننا نصنع الآلات، التي نزودها بالمكون الوجداني الانفعالي (ما يحس به الفرد من مشاعر تجاه موضوع ما كالحب أو الكراهية أو الغيرة أو الحسد...), ثم بعد ذلك نتجاهل هذا المكون معتبرين التكنولوجيا محايدة وما الآلات إلا أداة...
لقد اخترع الإنسان الحاسوب/ الآلة فأصبح شريكا له، متحدا معه حتى أصبحنا نتحدث عن المجتمع الإنساني الآلي عن الإنسان الرقمي, إنه من الأهمية بمكان تحديد ما سيصلح للبشر وما سيصلح للآلة، وأن نتأكد قبل أن نعمم أي تكنولوجيا جديدة أنها لن تمحو أو تطغى على الجانب الإنساني في أنفسنا.
منقول
لتحميل التقرير من هذا الرابط وهو باللغة الأنجليزية :
BEING HUMAN HUMAN-COMPUTER INTERACTIONIN THE YEAR 2020
مواضيع مشابهة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق