العمل في القسم وفق بيداغوجيا المجموعات تقنية من التقنيات التي أصبحت ملحّة على العمليات التربوية في هذ العقود الأخيرة خاصة بعد ولادة مفاهيم مثل"التفاعل الاجتماعي المعرفي" أو "حيوية المجموعات"، وزادها تأكيدا متطلبات"البيداغوجيا الفارقية" عندما أعلنت عن الحاجة إلى "مجموعات دعم" ما كانمنها خاصا بالقسم الواحد وما كان عابرا للأقسام..
1/ ماذا يعني العمل في مجموعات؟
- القيم الأساسية للطرق الحديثة (الطرق النشيطة):
إثارة الاهتمام التلقائي لدى التلاميذ، حتّى تتوفّر الدافعية في كلّ النشاط
احترام حرية الابتكار والمبادرة لدى التلاميذ
إيلاء العناصر النفسية والاجتماعية في تطور الأشخاص ما تستحقّ من الاعتبار
وفي إطار هذه القيم يتنزّل الحديث عن بيداغوجيا المجموعات.
-يُقصد بـ"بيداغوجيا المجموعات" تلك التي تتعلّق بمجموعات تلاميذ لا تصلإلى حدّ تكوين قسم بالمعنى العاديّ للكلمة. وتنبثق هذه المجموعات سواء عنطريق تقسيم القسم إلى عدد من الأجزاء الصغرى، أو عن طريق ضمّ تلاميذَ لاينتمون عادة إلى نفس القسم.
وتقتضيبيداغوجيا "المجموعات" وضع التلاميذ في "وضعيات" بناء ذاتي للمعرفة، وذلكبجعله نشطا وفاعلا خلال عملية التعلّم. وبتعبير آخر، فهي محاولة للانطلاقمن "حقيقة" التلميذ وواقعه، بما يستوجبه من توفير جملة من الآلياتكـ"الوضعيات المشكلة" و"مقاطع التعلّم" التي تكفل تنوّعا في الإجاباتتناسب الفروق الكثيرة بين التلاميذ.
-عمل التلاميذ في مجموعات يعني حسب "فيليب ماريو" وضع التلاميذ في وضعيةتعلم جماعيّ، لأن التعلّم ليس مجرّد تلقّ للمعلومة (10% فقط يتعلمون جيّدابمجرّد الإنصات) ولكنّه كذلك، وأهم من ذلك معالجة تلك المعلومة لامتلاكها.
- بيّنت الدّراسات أنّهعندما تتوفّر في مجموعتين نفس الشّروط بحيث لا تختلفان إلاّ في طريقةالعمل، فإن الأطفال الذين يشتغلون جماعيا يحققون تقدما أكبر من الذي يحققهالمشتغلون فُرادى. وليس سبب ذلك هو اقتداء بعضهم ببعض، بل إنّ الاختلاف فيوجهات النّظر يجبر الأفراد على إعادة تنظيم مقارباتهم المعرفية، وبذلكتنتج حركية العمل الجماعيّ تقدّما معرفيّا فرديّا. [1]فالمسألة وفق هذاالطّرح تأخذ "طبيعة اجتماعية في المقام الأول" [2]، لأنّ كلّ واحد سيحاولإثبات وجهة نظره أمام الآخر ومن هنا جاءت عبارة "الصّراع الاجتماعيالمعرفي" (Conflit socio-cognitif). وتستمدّ هذه المواقف والمقولات روحهامن تيارين أساسيّن:
oنموذج "بياجيه" (Piaget) الذي يرى بأن عملية بناء الذكاء تفترض نوعا منفقدان التوازن التّكيّفي: لأنّه عندما تستعصي علينا الحقائق نكون في حاجةإلى مراجعة كيفيّاتنا في التفكير والفعل.
oعديد البحوث والدراسات التجريببية التي أنجزت أواخر الخمسينات في رحاب علمالنفس الاجتماعي لاكتشاف دور الصراع الاجتماعي في تكوين الحكم الفردي.والتي تدعّمت بكتابات النفسانيّ الرّوسيّ "Lev S. Vygotsky" والتي لم يقعترجمتها إلى الأنجليزية إلا في نهاية السبعينات، وفي بعضها يقول: "فيتصوّرنا، الاتجاه الحقيقيّ للتفكير، لا يمشي من الفردي إلى الجماعي، وإنمامن الجماعي إلى الفردي".
ومن أهمّ الكتب التي سعت إلى نشر هذا المفهوم "La construction de l'intelligence dans l'interaction sociale" [3]
-"المجموعة" فضاء لتعويد التلاميذ على اتخاذ القرار، وبالتالي فهي فضاءلتحمّل المسؤولية وللتّرشّد الذاتي. وتوفر المجموعةُ الآليةَ التي تنخرطفيها جهود الجميع للبحث والإبداع والابتكار، وبذلك تصبح "منظومة" قادرةعلى تفعيل القدرات الكامنة وعلى تعديلها في آن.
2/ لمـــاذا العمل في مجموعـــــــــات؟
لتجاوز جملة من المعوّقات مثل:
-انحباس التواصل: حيث تعين تقنيات العمل في مجموعات كلّ تلميذ على التعبيرعن رأيه عن طريق شخص آخر، إلى أن يتعوّد بتدرج على الاندماج في المجموعةوأخذ زمام المبادرة.
-الضعف في التفاعل الاجتماعي: فتقنيات العمل في مجموعات توفّر فضاء "تفاعل"اجتماعيّ متنوّع يعلّم التلاميذ مع الأيّام كيف يتصرّفون شيئا فشيئا فينزاعاتهم "conflits" التي تجمع "التدافع" مع "الشّدة" مع اللعب مع علاقات"السيطرة/الاستسلام" مع القيادة.
-اهتزاز الثقة بالنفس: حيث يجد كلّ تلميذ نفسه مضطرّا في بعض المواقف إلىأن يشرح بعض "التعلّمات" إلى بعض زملائه أو إلى أن يعبّر عنها، مما يعيدله الثقة في إمكانياته.
-فقدان الدّافعية والرّغبة: فتقنيات العمل في مجموعات توفر وضعيات "حيوية""dynamiques" تسمح بالحركة والتحدّث بين الزملاء، وتنظيم الطاولات بطريقةمغايرة، بأخذ المبادرات والقرارات، ولعب الأدوار، وتوزيع المهامّ.. وهذهالحيوية من شأنها أن تقنع التلاميذ بأنهم الفاعلون الحقيقيون في تعلّمهم،فتتولد لديهم الرّغبة في التعلّم.
3/ ما هي المكوّنات الأساسية للنّشاط وفق بيداغوجيا المجموعات؟
- المطلوب الواضح: ولذلك ينبغي التّأكّد من أنّه قد فُهم من الجميع، ويحسن تسجيله بما يجعله في متناول كلّ طرف.
-الابتداء بمرحلة تفكّر فرديّة: تدوم ما بين دقيقة أو خمس دقائق يستجمعفيها كلّ تلميذ أفكاره وموارده حول القضيّة المطروحة، ويسجلها في ورقة،ليُدمجها بعد ذلك مع مجلوبات زملائه في إطار المجموعة.
- اشتراطأثر مكتوب: يصلح للتلاميذ حتّى يراجعوا عملهم، وللأستاذ حتّى يتابع سيرنشاطهم، إلا إذا كانت أهداف النشاط تقتضي عكس ذلك: في حالات العمل علىالذّاكرة مثلا أو اختبار القدرة على المبادهة أو الارتجال.
-توزيع الوقت على مراحل إنجاز العمل: فالدراسات في هذا المجال تؤكّد أنهكلّما كانت مدّة "المهمّة" محدّدة وقصيرة كلّما كان الإنتاج أفضل.بالإضافة إلى أنّ التلاميذ يستحسنون هذا التوقيت المنضبط، ويعيشونه كتحدّ.
- إنجاز تحليل جماعيّ لنتائج كلّ مجموعة: وذلك من خلال:
تعليق النتائج
إصلاحها عبر التفاعل المتواصل مع التلاميذ
تطعيمها بمعطيات إضافيّة مكمّلة
إثراؤها بمعطيات جديدة، كالقاعدة التي تنظم كلّ النتائج التي توصّل إليها التلاميذ..
وهذه الطريقة في التحليل من شأنها أن تساهم في بناء شخصية التلاميذ لأسباب ثلاثة على الأقلّ:
*تعطي للقسم صورة واضحة عن إمكانياته
*تمكّن من إعادة تنظيم المعارف التي وُلدت في أحضان المجموعة
*تضمن الأثر الذي يسعى إلى إحداثه النشاط في مجموعه
- التّكليف بعمل فردي للمواصلة: يكون في شكل تمارين أو درس إضافي، أو بحث، أو تحرير... تدعّم التعلّم المحَصَّل في القسم وتثريه.
4/ متــى يمكن اللجوء إلى "المجموعات"؟
*في بداية الحصة:
- لإثارة قسم
- تيسيرا للتواصل وذلك لوجود معوّق أو صراع ينبغي تنظيمه
- لجمع معلومات ضرورية للانطلاق في الدّرس
- لإيقاظ الفضول والدّافعيّة، وصنع الجاهزية للدخول في تعلّم جديد يكتشفونه بأنفسهم
*وسط الحصة:
- لتطبيق ما نظّر له
- لتعديل مسار الدّرس حسب درجة الفهم
- لتبين ما يحتاج إلى معالجة
*نهاية الحصّة:
وذلكلإطلاق نشاط ذاتي يستكمله التلميذ في فضاءات أخرى غير القسم: كالنّادي أوالبيت أو المكتبة أو المخبر.. ولا مانع من أن يكون هذا العمل مع كبارآخرين مسؤولين عن مجموعات..
5/ نماذج من تقنيات المجموعات:
هناكأكثر من تقنية لتنشيط المجموعات لا يمكن استيفاؤها في مثل هذا الموجز،ولكن سنقتصر هنا على بعضها الذي كثر استعماله وظهرت نجاعته:
- تقنية 1 .2 .4 .8 .16
يقدّم المطلوب لكامل القسم
تدوم فترة التفكّر الذاتي خمس دقائق
اشتراط الأثر المكتوب، لأنها تقنية قائمة على البناء المتدرّج للتّعلّم
توقيت مراحل الإنجاز:
ينصرف التلاميذ بعد ذلك إلى العمل اثنين اثنين: كلّ مع جاره، مع ضرورة تأليف إجابتيهما في ثماني دقائق
يمرّون بعد ذلك إلى مجموعة رُباعيّة أين يؤلفون الإجابتين السابقتين في عشر دقائق
ثمّ يمرّون إلى مجموعة ثُمانية بنفس المطلوب مدّة خمس عشرة دقيقة
ينجزالتأليف الجماعي بأن يُطلب من كلّ مجموعة (رباعيّة أو ثمانيّة حسب الوقتالذي اختار الأستاذ أن يوقف فيه العملية) أن تسجّل إنجازها النهائي علىالسبّورة. ولأن هذه المرحلة قد تكون طويلة فمن الأفضل أن توزّع أوراقكبيرة (أو أوراق شفافة عند توفر عارضها) على المجموعات النهائية لتسجيلالحصيلة الأخيرة لعملهم بطريقة واضحة. وتدوم عملية التأليف الجماعية هذهعشر دقائق.
يطلب من التلاميذ تسجيل التأليف الذي أصلحه الأستاذ وأثراه، ليكون بمثابة عمل فردي تدعيمي.
- التقنية الكلاسيكية لتجميع التلاميذ في ثلاثة أو أربعة أفراد:
ينتظمالتلاميذ في مجموعات ثلاثية أو رباعيّة باختيار شخصي، أو بإملاء منالأستاذ (يعتمد على مواصفات التفريق التي اختارها بناء على التشخيصالأولي)
يوزّع الأستاذعلى كلّ مجموعة وثائق مختلفة، حتّى وإن تعلقت بنفس الأهداف، ويطلب منهمتقريرا حول أعمالهم ليُعتمد في التأليف النهائي الجماعي.
تعمل كلّ مجموعة ما بين 10 إلى 20 دقيقة حسب دقّة التعلّم، ثم تعرض عملها على القسم في دقيقتين أو ثلاث.
ينجز الأستاذ في عشر دقائق التأليف بين مختلف التقارير، مع إثرائها بمعطيات مكملة أو جديدة..
- تقنية الرّسول:
يجتمعالتلاميذ في مجموعات ذات 4 أو 5 أفراد لإنجاز التعلّم المطلوب مدّة 10 أو15 دقيقة، بعد أن تكون كلّ مجموعة قد اختارت "رسولا" يمثّلها
يطوف الرسل في نهاية الوقت المخصّص على كلّ مجموعة لإفادتهم بما أنجزوه، وذلك بحساب دقيقتين لكلّ رسالة.
يسجّلون ما نقلوه على السبورة لإعلام الرسل الآخرين وإعلام الأستاذ الذي سيستثمر بدوره هذا المسجّل في مداخلته
- تقنية "فيليبس 6.6 Philips"
"فيليبس" هو اسم مبتكر هذه التقنية، و6.6 تعني 6 مشاركين مدّة 6 دقائق
يجتمع التلاميذ وفق مجموعات سداسية تختار "منشطا" و"مقررا" و"ناطقا"
دور "المنشط" أن يحاور كلّ عضو (بما في ذلك نفسه) مدّة دقيقة حول الموضوع المطروح، بما يجعل الوقت الجمليّ 6 دقائق.
يسجّلالمقرر ما يدور في كلّ حوار مع اجتناب المعلومات المتكررة، والأفضل أنيكون التسجيل على ورقة كبيرة وبخط واضح حتّى يعرض العمل على كامل القسم.
عندما تنتهي المحاورات، يعيد أعضاء الفرق قراءة التقارير ومناقشتها وتنقيحها مدّة خمس دقائق.
دور "الناطق" أن يعلّق تقرير مجموعته وأن يقرأه على القسم
- تقنية المحادثــة:
يختار كلّ تلميذ أحد الرقمين 1 أو 2 ليتسمّى به داخل مجموعة ثنائية
كلّ حامل رقم 1 يسأل زميله الحامل رقم 2 مدة دقيقة، ثم تتبادل الأدوار
يعرض كلّ تلميذ نتيجة حواره أمام كامل القسم
تدخل الأستاذ يكون مساوقا للعروض، مع تسجيل المعطيات التي يراها ضرورية لعمليّة التأليف
- تقنية العيّنــة:
يقسّم التلاميذ إلى مجموعتين:
مجموعة"العينة"، التي تجلس في شكل نصف دائرة قبالة القسم، وتمثل ربع عددالتلاميذ الإجمالي، وهي التي تتولّى مناقشة الموضوع المطروح
مجموعة المشاهدين الذين يتمثل دورهم في الإنصات إلى المناقشة التي يديرها زملاؤهم، ويطرحون عليهم الأسئلة
تجري هذه التقنية على النّحو التالي:
الخطوةالأولى: تكلّف "العينة" بمناقشة الموضوع المطروح مدّة 10 دقائق. ويمكنللأستاذ أن يتدخّل لإثارة النقاش عبر معطيات تكميلية أو جديدة. بينما يسمعفريق المشاهدين في صمت ويقتصرون على تسجيل أسئلتهم على أوراق
الخطوةالثانية: تَكُفّ "العيِّنة" عن الحديث وتأخذ في تقبّل الأسئلة (ينهض تلميذمنشط بالعملية)، ثمّ تتولى الإجابة مدة 10 دقائق. وكلما عجزت"العَيِّنَةُ" عن الإجابة يتدخل الأستاذ.
الخطوة الثالثة: صياغة تأليفية جماعية يشرف عليها الأستاذ.
تقنية"العَيِّنَة" هذه مجدية جدا في تعليم التلاميذ أن ينصتوا إلى بعضهم البعض،وأن يتحكموا في وقت تدخلاتهم، وأن يستدلوا على أفكارهم..
- تقنية زوبعة العقل:
هي تقنية هامّة لإثارة الخيال والابتكار ولذة الاكتشاف، ولتنشيط الذاكرة
المطلوب هو التعبير عن كلّ ما يخامر الذهن مما يتعلّق بالموضوع المطروح
يسجّل الأستاذ هذه التعبيرات على السبورة مذكرا بين الفينة والأخرى بالموضوع
بمعونة التلاميذ يَنْظُم الأستاذ المعطيات المحصَّلة في محاور مختلفة مستعملا وسائل شتى كالألوان..
مواضيع مشابهة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق