يقال إن قدماء المصريين هم أول من استخدم وطبق الموازنة العامة في تقدير نفقات المشروعات والعمليات الحربية ومصادر تمويل النفقات ، ونستدل على ذلك ما ذكر في القران الكريم عن سيدنا يوسف عليه السلام الذي قام بمهام وواجبات المدير المالي وكذا المحاسب الأول حيث قام بتقدير احتياجات الدولة من القمح لمدة أربعة عشر عاماً مع تنظيم استهلاكه وتخزينه حتى أمكن التغلب على المجاعة التي تعرضت لها مصر في ذلك الوقت .
قال الله تبارك وتعالى : ( يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي ارجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه تعصرون ) صدق الله العظيم -سورة يوسف 45-49
أما الموازنات في وضعها الحالي فقد تم وضع القواعد العلمية لها في إنجلترا حيث نشأت نتيجة للصراع القديم بين البرلمان والملك حول محاولة فرض رقابة على المخصصات الملكية وقد قضى الميثاق الأعظم عام 1215 م بعد فرض أي ضرائب في المملكة بدون موافقة مجلس العموم وبعد ثورة 1688م أكد البرلمان في المصادقة على مصروفات الدولة بصورة إجمالية وتخصيص المبالغ التي تتفق في الأغراض الخاصة كما نصت وثيقة الحقوق في بريطانيا الصادرة ف 1689م على ضرورة موافقة البرلمان على فرض أية ضريبة وحق اعتماد نفقات الملك مقدماً ، وفي أوائل القرن التاسع عشر تطورت سلطة البرلمان البريطاني وأصبح له حق المصادقة على مصروفات وإيرادات الدولة تفصيلاً .
وقد ظهرت الموازنة بشكلها الواضح في فرنسا على إثر الثورة الفرنسية وصدور قرارات الجمعية الوطنية التأسيسية في سنة 1789م وإعلانها وثيقة حقوق الإنسان التي أكدت على حق الشعب مباشرة أو بواسطة ممثليه في الموافقة على فرض الضرائب ثم تلى ذلك دستور 1791م الذي أعطى المجلس التشريعي حق التحديد المسبق للنفقات العامة ثم تلى فرنسا في تطبيق فكرة الموازنة العامة للدولة روسيا سنة 1863م ، وبعد ذلك وبالتحديد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بدأت الكثير من الدول الإستفادة من التجربة الإنجليزية والفرنسية كمظهر من مظاهر الديمقراطية فقد بدأت أولى هذه المحاولات في الولايات المتحدة الأمريكية بصدور قانون الموازنة والمحاسبة سنة 1921 م أما على النطاق العربي فقد كانت مصر هي أول دولة تطبق نظام الموازنة العامة عام 1880 م لضمان سداد اقساط الدين الأجنبي وفوائده وكانت البداية الحقيقية لنظام الموازنة العامة في مصر عام 1923 م بإشتمال أول دستور على مواد شملت إيرادات الدولة ومصروفاتها وكيفية إقرار الموازنة العامة ومواعيد تقديمها إلى البرلمان وتحديد السنة المالية لها .
ثم تلي مصر في تطبيق نظام الموازنة العامة للدولة سوريا عام 19323 م عندما حدد قانون المحاسبة العامة الصادر في ذلك العام أسس تقدير الإيرادات والمصروفات ، ثم تطبيق الأردن نظام الموازنة العامة العامة لها 1952 م وتلتها السعودية عام 1954 ثم المغرب 1958 ثم الكويت 1960 ثم البحرين عام 1970 بشكل غير منظم وفي عام 1975 بشكلها المنظم وفي الإمارات عام 1973 م ، وفي اليمن ظهرت الموازنة العامة للدولة عام 1973 م بظهور أول تجربة تخطيطية لها تمثل في البرنامج الإنمائي الثلاثي للسنوات من عام 73 الى 1976 م .
وهنا وقبل أن أتطرق إلى تعريف الموازنة كان لا بد أن أشير إلى أن الموازنة العامة للدولة تمثل الأساس في نشوء فكرة الموازنات التخطيطية في المشروعات التجارية وذلك لأن النجاح الذي صادق تطبيق الموازنة في القطاع الحكومي شجع على إدخال تلك الأداة في قطاع المشروعات التجارية ، وبالتالي فإن أي تطور كان يحدث في الموازنة كان يؤثر بشكل فعال على تطور الموازنات التخطيطية في المشروعات الإقتصادية إلى أن أصبح إعداد وتنفيذ الموازنات التخطيطية في المشروعات الاقتصادية المختلفة حالياً من ضروريات الرقابة وتقييم الأداء والطابع السائد لإدارة الأعمال الخاصة ، وفي مدونة المحاسب الأول سأقوم بمحاولة التعرف على مراحل تطور الموازنة العامة للدولة من حيث التطبيق وبالتالي قد تقودنا هذه المراحل الى تعريف قد يكون شامل وكامل للموازنة .
مراحل تطور الموازنة العامة للدولة
المرحلة الأولى
كانت تعد الموازنة في هذه المرحلة على شكل جداول تمثل اعتمادات للنفقات العامة مقابل جداول تمثل الإيرادات العامة اللازمة لتمويل تلك النفقات على أساس التقسيم الإداري في الدولة وكان يطلق على الموازنة المعتمدة الموازنة الإدارية ولكنها بعد أن أخذت بمبدا توزيع النفقات على أساس أغراض الصرف على السلع والخدمات التي تحتاجها وتنفذها الإدارات الحكومية أطلق عليها موازنة البنود ، كما أطلق عليها في تلك المرحلة الموازنة الرقابية لأنها كانت تهدف إلى فرض رقابة مركزية على الإنفاق العام ومحاولة التغلب على عيوب الإدارة الحكومية ومنع الاختلاسات المالية والصرف بغير وجه حق وذلك ما يحقق الهدف من تطبيق نظام الموازنة في كونها وسيلة وقاية ورقابة ولا بد لتحقيق ذلك تبوب الإيرادات العامة والمصروفات العامة بشكل يمكن من الرقابة عليها ومحاسبة المسئولين عن تنفيذها .
المرحلة الثانية
في هذه المرحلة تحول الاهتمام الأساسي للموازنة العامة من فرض الرقابة إلى خدمة الإدارة الحكومية والسيطرة على فعاليات الإدارة الحكومية لتحقيق وفورات نقدية حقيقية وتحقيق أفضل استخدام ممكن للموارد المتاحة مما ترتب عليه ظهور موازنة الإدارة وموازنة البنود في شكل موازنة برامج وأداء وكان الهدف من ذلك هو تطوير الخدمة الحكومية ورفع كفاؤتها عن طريق إيجاد وسيلة لقياس الأعمال المنجزة وأطلق على الموازنة في هذه المرحلة موازنة البرامج والداء والتي تعتبر الموازنة بأنها خطة توضح الأهداف المحددة للوحدات معبراً عنها في شكل برامج ومشروعات محددة ، فطبقاً للبرامج يتم تبويب الموازنة طبقاً للوظائف الأساسية ثم تحديد البرامج تحت كل وظيفة ويقصد بالأداء التركيز على ما تم تحقيقه وليس على الوسائل المستخدمه فهو يعتمد على الماضي وعلى ماتم تسجيله فعلاً وذلك عند إعداد تقديرات الموازنة بحيث يتقرر البرنامج أولاً وبذلك يتحدد الإطار الذي يمكن من خلاله قياس الأداء .
المرحلة الثالثة
وفي هذه المرحلة تطور اهتمام الموازنة العامة من فرض الرقابة وخدمة الإدارة إلى خدمة العملية التخطيطية من خلال النظر إلى الموازنة باعتبارها أداة فعالة في التأثير على الإقتصاد القومي بحيث أصبح الإهتمام على محاولة الربط بين السياسة المالية والاقتصادية للحكومة بخطة اقتصادية محددة عن طريق مجموعة من البرامج والأنشطة بهدف تحقيق الأهداف المالية والاقتصادية للحكومة بحيث أصبحت الموازنات وسيلة لاتخاذ القرارات المرتبطة بالمفاضلة بين البرامج البديلة للوصول إلى الأهداف ، فهي تقدم البيانات الخاصة بالتكلفة والعائد بالنسبة للأساليب أو البرامج البديلة ووسائل قياس المنتج النهائي واتخاذ القرار المناسب على ضوء ذلك حتى يتم توزيع الموارد المحددة على الاستخدامات المتعددة وبذلك تحولت الموازنة الى نظام متكامل أطلق عليه نظام موازنة التخطيط والبرمجة وكما هو معروف من أن التخطيط يستلزم وجود الرقابة لذا فإن هذا النوع من الموازنات قد عالج وظائف الموازنة المتمثلة في التخطيط والإدارة والرقابة على أنها وظائف مكملة وليست متنافسة .
المرحلة الرابعة
وقد ظهرت هذه المرحلة من مراحل الموازنة بغرض تحسين استخدام المحاسبة في مجال التخطيط وتخصيص الموارد ، لذا ظهرت إلى الوجود الموازنة التخطيطية ذات الأساس الصفري أو الموازنة الصفرية والتي بدأ تطبيقها في ولاية جورجيا الأمريكية عام 1973 م وإعتماداً على هذه الموازنات فإن التقديرات المالية للأنشطة يجب أن تبدأ من الصفر بحيث ينظر إلى كافة البرامج والمشروعات الجديد منها والقديم على أنها جديدة وعلى افتراض أنها تبدأ من نقطة الصفر وبذلك يمكن تقويم مدخلات ومخرجات النشاط مع إعطائه ترتيب أولوية التنفيذ على ضوء درجة الإلحاح في تنفيذ النشاط بالنسبة للأنشطة الأخرى .
المفاهيم المختلفة للموازنة العامة للدولة
الموازنة بصفة عامة هي الأسلوب الذي يتم بموجبه تقدير نتائج كل الصفقات والمعاملات الاقتصادية التي تتم ضمن اطار نشاط معين في فترة زمنية محددة فمثلاً يعرف القانون اليمني الموازنة العامة للدولة بأنها موجز المعاملات المالية المفردة التي تقوم الحكومة بواسطتها بتحصيل أو بإنفاق نقود وتنظم هذه المعاملات في فئات ملائمة لأغراض التحليل والرقابة والتخطيط ووضع السياسة المالية العامة .
لقد كان يستخدم للموازنة مصطلح الميزانية التقديرية للمشروعات ومصطلح الموازنة العامة للدولة ، ولكن الإتجاه الحديث خاصة بعد التوحيد المحاسبي لبعض الأنظمة المحاسبية في بعض الدول العربية حل مصطلح الموازنة بدلاً من الميزانية فيطلق على موازنة المشروعات مصطلح الموازنة التخطيطية ويطلق على موازنة الدولة الموازنة العامة للدولة وبذلك تم استبدال مصطلح الميزانية بمصطلح الموازنة وتبرير ذلك أن استخدام لقظ الموازنة بدلاً عن الميزانية يؤدي إلى إزالة اللبس والغموض في استخدام مصطلح الميزانية حيث يقصد بذلك الخطة المالية في فترة زمنية قادمة وليس المركز المالي الذي يتضمن الموجودات والمطلوبات في تاريخ معين ولذلك كان الإتجاه نحو استخدام مصطلح الموازنة بدلاً من مصطلح الميزانية وقد أكد ذلك الاتجاه في المؤتمر العربي السادس للعلوم الإدارية الذي عقد بمقر الجامعة العربية بالقاهرة في سبتمبر 1972 م .
ويعتبر الرأي المنادي باستخدام مصطلح الموازنة التخطيطية ليحل محل اصطلاح الميزانية التقديرية هو الرأي الأصوب لأن استخدام كلمة الموازنة تعني أن عملية التوازن ليست أساساً متحققاً كما هو الحال في الميزانية الناتجة عن إثبات العمليات المالية على أساس نظرية القيد المزدوج ولكن لا بد من تدخل مباشر لإجراء عملية التوازن ولا تتم إلا لعمليات غير محددة على وجه الدقة وهي بذلك عمليات متوقعة وقد أصبحت هذه العمليات أمراً واقعاً لا بد من إثباتها محاسبياً للوصول في النهاية إلى المركز المالي الفعلي للنشاط والذي تظهره الميزانية العمومية وبذلك يدل التوازن في الميزانية على أنها متوازنة بنفسها دون تدخل وهذا التفسير يؤكد على أن مصطلح الموازنة هو المصطلح المناسب لاستخدامه في التعبير عن التقديرات التي تتم لفترة قادمة ولانه يشير بوضوح إلى كون تلك التقديرات أداة للتخطيط الذي يترتب عليه تلقائياً أنها أيضاً أنها أداة الرقابة لأن التخطيط يستلزم بالضرورة أن تقترن به عملية الرقابة ، فالتخطيط أسلوب غير مقصود لذاته وإنما يستخدم لوضع نمط أو معيار للمقارنة حتى يمكن متابعة التنفيذ وتقييم الأداء على أساس هذه الخطة المعدة سلفاً، وعموماً هناك سبعة مفاهيم رئيسية للموازنة وهي :
1- المفهوم المحاسبي للموازنة
هو المفهوم الذي ينظر إلى الموازنة على أنها جداول لأرقام حسابية تشمل الاعتمادات المخصصة والمتوقع إنفاقها والإيرادات المتوقع الحصول عليها خلال فترة فعلية غالباً ما نكون سنة ويعتبر هذا المفهوم من أقدم مفاهيم الموازنة فقد رافق الموازنة منذ إنشائها وحتى الأن ، وطبقاً لهذا المفهوم لا بد أن تقديرات الموازنة لنشاط معين شاملة لجميع المعاملات الذي يكون ذلك النشاط طرفاً منه سواء كانت معاملات خاصة بتحقيق الدخل أو الإيراد أو كانت المعاملات تتعلق بكيفية التصرف بذلك الدخل أو الإيراد للوصول إلى بيان متوازن لتلك العمليات سواء على مستوى موازنة الأسرة أو موازنة المشروع أو موازنة الدولة .
وقد تبنى المحاسبون المفهوم المحاسبي للموازنة العامة للدولة ولذلك نشأ الارتباط الوثيق بين النظام المحاسبي الحكومي والموازنة العامة للدولة من حيث ضرورة تحليل تبويبات وجداول الموازنة التي تشير إلى الاعتمادات المخصصة للإنفاق والتحصيل طبقاً للهيكل المحاسبي الحكومي بحيث يعامل كل اعتماد مخصص في الموازنة ( الباب - الفصل - البند - النوع ) حساب مستقل في النظام المحاسبي الحكومي وكذلك بالنسبة للإيرادات المقدرة بحيث تسجل في الدفاتر الحكومية وفقاً لتوزيعها السنوي المقرر في الموازنة ، ووفقاً لهذا المفهوم تعتبر الموازنة خطة مالةي ومحاسبية كما أنها تصبح عنصراً أساسياً من عناصر علم المحاسبة والنظام المحاسبي وهو ما سارت عليه معظم تشريعات الأنظمة المحاسبية في كثير من الدول حيث تضمنت القواعد والأحكام المتعلقة بالإعداد والتنفيذ والمتابعة والرقابة والتقييم وأوكلت كل ذلك إلى الأجهزة المركزية للحسابات الحكومية وإدارات الحسابات في الوزارات والمصالح الحكومية .
2- المفهوم الرقابي للموازنة
الرقابة عموماً هي الارتباط بهدف معين والتحقق من تنفيذ ذلك الهدف بأحسن الوسائل ، من ذلك يمكن تحديد المفهوم الرقابي للموازنة العامة للدولة بأن الموازنة هي مجرد أداة للرقابة المركزية على الإنفاق العام ولذلك فإن التصنيف التفصيلي لأوجه الانفاق هو المدخل الأساسي للرقابة وطبقاً لهذا المفهوم تبوب النفقات العامة على اساس الوحدات المتضمنة أوجه النشاط أو الخدمات والأغراض المختلفة ويتم تقدير النفقات والإيرادات طبقاً لذلك ولا بد من تحقيق تلك التقديرات عند تنفيذ الموازنة والإبلاغ عن الإنحرافات السالبة ، كما يهتم هذا المفهوم بالحدود التي تفرض على إنفاق الأجهزة الحكومية وإجراءات التبليغ التي تستخدم للرقابة على صحة الإنفاق من مال الدولة ولا يهتم هذا المفهوم بالتخطيط وإعداد البرامج كأساس يحكم هيكل الموازنة العاة للدولة .
3- المفهوم الإداري للموازنة
يستند هذا المفهوم على اساس أن الموازنة العامة للدولة هي وسيلة لتحقيق الأداء الفعال للأعمال ولأوجه النشاط المحدده وهو بذلك يركز على الدور الذي تلعبه الموازنة في قياس الأداء وطرق هذا القياس والتقارير الخاصة ببيانات أداء العمل بحيث يساعد الموازنة على توجيه وتطوير وتنظيم الإدارة الحكومية ، وبتبني هذا المفهوم للموازنة يوكل مسئولية إعداد الموازنة ومراقبة تنفيذها إلى الجهاز الإداري المرتبط مباشرة بالرئيس التنفيذي على اعتبار ان هذا الجهاز الإداري يمثل الجهة الاستشارية للرئيس لذلك يتطلب هذا المفهوم تدعيم الموازنة العامة بخبراء في مجال الإدارة العامة دون الإعتماد كلياً على المحاسبين والمراجعين كما هو الحال في كل من المفهوم المحاسبي والرقابي للموازنة وقد ساعد هذا المفهوم على تطوير نظام الموازنة وتطور استخدامها بحيث أصبحت تستخدم كأداة للسيطرة التنفيذية على فعاليات الإدارات الحكومية المتكاثرة والتي ينتج عنها ظهور موازنة البرامج والأداء، ولكن هذا المفهوم لا يعطي الاهتمام الكافي للتخطيط ووضع البرامج عند إعداد الموازنة العامة للدولة وطبقاً لهذا المفهوم تصنف الموازنة بمايساير المفهوم الإداري لها بحيث يتم التصنيف طبقاً للمهام أو الوظائف والأنشطة والمشروعات وبذلك تدخل الموازنة في نطاق دراسة الإدارة العامة .
4 - المفهوم التخطيطي للموازنة
أثر تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ورغبتها في إيجاد توازن حقيقي للإقتصاد القومي على مفهوم الموازنة وطبقاً لهذا المفهوم أصبح ينظر إلى الموازنة العامة على أنها أداة اساسية للتخطيط تركز على ما سيكون لا على ما تم فعلاً وأصبح الربط بين التقديرات وبين تحقيق الأهداف المخططة ومن ثم أصبحت مهمة جهاز الموازنة في إطار هذا المفهوم هو التحليل وليس مجرد الفحص وأصبحت جهود هذا الجهاز تتركز في مرحلة ما قبل الإعداد وهي مرحلة تحديد السياسات العامة ، ولا يلغي هذا المفهوم الدور الرقابي لأن التخطيط يستلزم أن تقترن به عملية رقابة ولأن التخطيط لا يحقق أهدافه إلا بوجود الرقابة وبذلك المفهوم التخطيطي للموازنة بأن التخطيط والإدارة والرقابة هي عناصر تكمل بعضها البعض في نظام الموازنة العامة ولأن هذا النظام مهما كان أولياً فإنه أعد من أجل أن يحقق أغراضاً ثلاثة هي التخطيط والإدارة والرقابة ولا يمكن الفصل بين هذه الأغراض لنظام الموازنة واختلاف مفهوم الموازنة من مفهوم إلى أخر هو بسبب سيطرة غرض على غرض اخر لنظام الموازنة .
5- المفهوم الاقتصادي للموازنة
بعد أن تحولت السياسة المالية من مجرد الاهتمام بالنفقات العامة والإيرادات العامة إلى التدخل المباشر في النشاط الاقتصادي من أجل إنعاش الاقتصاد القومي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي أصبح هناك مفهوم أخر للموازنة وهو المفهوم الاقتصادي بحيث أصبحت الموازنة وسيلة لمحاربة التضخم أو الكساد الاقتصادي ووسيلة لتوازن التقلبات الاقتصادية وداعمة للتنمية القومية والتخطيط القومي وبذلك أصبحت أحد فروع دراسات تخطيط الاقتصاد القومي .
6 - المفهوم السياسي للموازنة
لما كانت الموازنة العامة للدولة تشمل جميع أنشطة الدولة السياسية والمالية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية ولكي يتحقق للموازنة النجاح فلا بد أن يشارك كل أصحاب العلاقة في إعدادها بالإضافة إلى أن المشاركة في ذلك يحقق ديمقراطية الدولة الأمر الذي يساعد على تقبل الموازنة وزيادة التعاون بين المستويات المختلفة في الجهاز الإداري للدولة من حيث التنفيذ ، وطبقاً لهذا المفهوم يمر إعداد الموازنة منذ بدايتها وحتى إحالتها إلى السلطة التشريعية بخطوات مختلفة يطبعها العمل السياسي الجماعي على مستوى كل وزارة أو مصلحة حكومية ثم يلي ذلك دور وزارة المالية في التنسيق بين مشروعات الموازنات المختلفة لإعداد المشروع النهائي المتكامل للموازنة وعرضه على مجلس الوزارة الذي يقوم بدراستها على ضوء السياسة العامة للموازنة واتجاهاتها والمحددة سلفاً ثم تعرض بعد ذلك على السلطة التشريعية للموافقة عليها .
7- المفهوم القانوني للموازنة
يرى فقهاء القانون أن الموازنة العامة للدولة هي قانون لأنها تمر بنفس الإجراءات التي يمر بها اي قانون أخر بالإضافة إلى إشتمالها على أحكام قانونية تنظم مالية الدولة وما تشمله من نفقات وإيرادات لا يمكن الخروج عنها فلا يمكن مثلاً زيادة حصيلة الدولة برفع نسب ومبالغ الضرائب والرسوم بخلاف ما هو محدد قانوناً إلا بعد الحصول على موافقة السلطة التشريعية وما يؤكد أن الموازنة هي قانون بحسب رأيهم اشتمال معظم الدساتير والتشريعات على أسلوب إعداد مشروع الموازنة وكيفية إقرارها ومن هنا نشأ المفهوم القانوني للموازنة العامة للدولة وأصبحت جزء من الدراسات القانونية .
المرحلة الرابعة
وقد ظهرت هذه المرحلة من مراحل الموازنة بغرض تحسين استخدام المحاسبة في مجال التخطيط وتخصيص الموارد ، لذا ظهرت إلى الوجود الموازنة التخطيطية ذات الأساس الصفري أو الموازنة الصفرية والتي بدأ تطبيقها في ولاية جورجيا الأمريكية عام 1973 م وإعتماداً على هذه الموازنات فإن التقديرات المالية للأنشطة يجب أن تبدأ من الصفر بحيث ينظر إلى كافة البرامج والمشروعات الجديد منها والقديم على أنها جديدة وعلى افتراض أنها تبدأ من نقطة الصفر وبذلك يمكن تقويم مدخلات ومخرجات النشاط مع إعطائه ترتيب أولوية التنفيذ على ضوء درجة الإلحاح في تنفيذ النشاط بالنسبة للأنشطة الأخرى .
المفاهيم المختلفة للموازنة العامة للدولة
الموازنة بصفة عامة هي الأسلوب الذي يتم بموجبه تقدير نتائج كل الصفقات والمعاملات الاقتصادية التي تتم ضمن اطار نشاط معين في فترة زمنية محددة فمثلاً يعرف القانون اليمني الموازنة العامة للدولة بأنها موجز المعاملات المالية المفردة التي تقوم الحكومة بواسطتها بتحصيل أو بإنفاق نقود وتنظم هذه المعاملات في فئات ملائمة لأغراض التحليل والرقابة والتخطيط ووضع السياسة المالية العامة .
لقد كان يستخدم للموازنة مصطلح الميزانية التقديرية للمشروعات ومصطلح الموازنة العامة للدولة ، ولكن الإتجاه الحديث خاصة بعد التوحيد المحاسبي لبعض الأنظمة المحاسبية في بعض الدول العربية حل مصطلح الموازنة بدلاً من الميزانية فيطلق على موازنة المشروعات مصطلح الموازنة التخطيطية ويطلق على موازنة الدولة الموازنة العامة للدولة وبذلك تم استبدال مصطلح الميزانية بمصطلح الموازنة وتبرير ذلك أن استخدام لقظ الموازنة بدلاً عن الميزانية يؤدي إلى إزالة اللبس والغموض في استخدام مصطلح الميزانية حيث يقصد بذلك الخطة المالية في فترة زمنية قادمة وليس المركز المالي الذي يتضمن الموجودات والمطلوبات في تاريخ معين ولذلك كان الإتجاه نحو استخدام مصطلح الموازنة بدلاً من مصطلح الميزانية وقد أكد ذلك الاتجاه في المؤتمر العربي السادس للعلوم الإدارية الذي عقد بمقر الجامعة العربية بالقاهرة في سبتمبر 1972 م .
ويعتبر الرأي المنادي باستخدام مصطلح الموازنة التخطيطية ليحل محل اصطلاح الميزانية التقديرية هو الرأي الأصوب لأن استخدام كلمة الموازنة تعني أن عملية التوازن ليست أساساً متحققاً كما هو الحال في الميزانية الناتجة عن إثبات العمليات المالية على أساس نظرية القيد المزدوج ولكن لا بد من تدخل مباشر لإجراء عملية التوازن ولا تتم إلا لعمليات غير محددة على وجه الدقة وهي بذلك عمليات متوقعة وقد أصبحت هذه العمليات أمراً واقعاً لا بد من إثباتها محاسبياً للوصول في النهاية إلى المركز المالي الفعلي للنشاط والذي تظهره الميزانية العمومية وبذلك يدل التوازن في الميزانية على أنها متوازنة بنفسها دون تدخل وهذا التفسير يؤكد على أن مصطلح الموازنة هو المصطلح المناسب لاستخدامه في التعبير عن التقديرات التي تتم لفترة قادمة ولانه يشير بوضوح إلى كون تلك التقديرات أداة للتخطيط الذي يترتب عليه تلقائياً أنها أيضاً أنها أداة الرقابة لأن التخطيط يستلزم بالضرورة أن تقترن به عملية الرقابة ، فالتخطيط أسلوب غير مقصود لذاته وإنما يستخدم لوضع نمط أو معيار للمقارنة حتى يمكن متابعة التنفيذ وتقييم الأداء على أساس هذه الخطة المعدة سلفاً، وعموماً هناك سبعة مفاهيم رئيسية للموازنة وهي :
1- المفهوم المحاسبي للموازنة
هو المفهوم الذي ينظر إلى الموازنة على أنها جداول لأرقام حسابية تشمل الاعتمادات المخصصة والمتوقع إنفاقها والإيرادات المتوقع الحصول عليها خلال فترة فعلية غالباً ما نكون سنة ويعتبر هذا المفهوم من أقدم مفاهيم الموازنة فقد رافق الموازنة منذ إنشائها وحتى الأن ، وطبقاً لهذا المفهوم لا بد أن تقديرات الموازنة لنشاط معين شاملة لجميع المعاملات الذي يكون ذلك النشاط طرفاً منه سواء كانت معاملات خاصة بتحقيق الدخل أو الإيراد أو كانت المعاملات تتعلق بكيفية التصرف بذلك الدخل أو الإيراد للوصول إلى بيان متوازن لتلك العمليات سواء على مستوى موازنة الأسرة أو موازنة المشروع أو موازنة الدولة .
وقد تبنى المحاسبون المفهوم المحاسبي للموازنة العامة للدولة ولذلك نشأ الارتباط الوثيق بين النظام المحاسبي الحكومي والموازنة العامة للدولة من حيث ضرورة تحليل تبويبات وجداول الموازنة التي تشير إلى الاعتمادات المخصصة للإنفاق والتحصيل طبقاً للهيكل المحاسبي الحكومي بحيث يعامل كل اعتماد مخصص في الموازنة ( الباب - الفصل - البند - النوع ) حساب مستقل في النظام المحاسبي الحكومي وكذلك بالنسبة للإيرادات المقدرة بحيث تسجل في الدفاتر الحكومية وفقاً لتوزيعها السنوي المقرر في الموازنة ، ووفقاً لهذا المفهوم تعتبر الموازنة خطة مالةي ومحاسبية كما أنها تصبح عنصراً أساسياً من عناصر علم المحاسبة والنظام المحاسبي وهو ما سارت عليه معظم تشريعات الأنظمة المحاسبية في كثير من الدول حيث تضمنت القواعد والأحكام المتعلقة بالإعداد والتنفيذ والمتابعة والرقابة والتقييم وأوكلت كل ذلك إلى الأجهزة المركزية للحسابات الحكومية وإدارات الحسابات في الوزارات والمصالح الحكومية .
2- المفهوم الرقابي للموازنة
الرقابة عموماً هي الارتباط بهدف معين والتحقق من تنفيذ ذلك الهدف بأحسن الوسائل ، من ذلك يمكن تحديد المفهوم الرقابي للموازنة العامة للدولة بأن الموازنة هي مجرد أداة للرقابة المركزية على الإنفاق العام ولذلك فإن التصنيف التفصيلي لأوجه الانفاق هو المدخل الأساسي للرقابة وطبقاً لهذا المفهوم تبوب النفقات العامة على اساس الوحدات المتضمنة أوجه النشاط أو الخدمات والأغراض المختلفة ويتم تقدير النفقات والإيرادات طبقاً لذلك ولا بد من تحقيق تلك التقديرات عند تنفيذ الموازنة والإبلاغ عن الإنحرافات السالبة ، كما يهتم هذا المفهوم بالحدود التي تفرض على إنفاق الأجهزة الحكومية وإجراءات التبليغ التي تستخدم للرقابة على صحة الإنفاق من مال الدولة ولا يهتم هذا المفهوم بالتخطيط وإعداد البرامج كأساس يحكم هيكل الموازنة العاة للدولة .
3- المفهوم الإداري للموازنة
يستند هذا المفهوم على اساس أن الموازنة العامة للدولة هي وسيلة لتحقيق الأداء الفعال للأعمال ولأوجه النشاط المحدده وهو بذلك يركز على الدور الذي تلعبه الموازنة في قياس الأداء وطرق هذا القياس والتقارير الخاصة ببيانات أداء العمل بحيث يساعد الموازنة على توجيه وتطوير وتنظيم الإدارة الحكومية ، وبتبني هذا المفهوم للموازنة يوكل مسئولية إعداد الموازنة ومراقبة تنفيذها إلى الجهاز الإداري المرتبط مباشرة بالرئيس التنفيذي على اعتبار ان هذا الجهاز الإداري يمثل الجهة الاستشارية للرئيس لذلك يتطلب هذا المفهوم تدعيم الموازنة العامة بخبراء في مجال الإدارة العامة دون الإعتماد كلياً على المحاسبين والمراجعين كما هو الحال في كل من المفهوم المحاسبي والرقابي للموازنة وقد ساعد هذا المفهوم على تطوير نظام الموازنة وتطور استخدامها بحيث أصبحت تستخدم كأداة للسيطرة التنفيذية على فعاليات الإدارات الحكومية المتكاثرة والتي ينتج عنها ظهور موازنة البرامج والأداء، ولكن هذا المفهوم لا يعطي الاهتمام الكافي للتخطيط ووضع البرامج عند إعداد الموازنة العامة للدولة وطبقاً لهذا المفهوم تصنف الموازنة بمايساير المفهوم الإداري لها بحيث يتم التصنيف طبقاً للمهام أو الوظائف والأنشطة والمشروعات وبذلك تدخل الموازنة في نطاق دراسة الإدارة العامة .
4 - المفهوم التخطيطي للموازنة
أثر تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ورغبتها في إيجاد توازن حقيقي للإقتصاد القومي على مفهوم الموازنة وطبقاً لهذا المفهوم أصبح ينظر إلى الموازنة العامة على أنها أداة اساسية للتخطيط تركز على ما سيكون لا على ما تم فعلاً وأصبح الربط بين التقديرات وبين تحقيق الأهداف المخططة ومن ثم أصبحت مهمة جهاز الموازنة في إطار هذا المفهوم هو التحليل وليس مجرد الفحص وأصبحت جهود هذا الجهاز تتركز في مرحلة ما قبل الإعداد وهي مرحلة تحديد السياسات العامة ، ولا يلغي هذا المفهوم الدور الرقابي لأن التخطيط يستلزم أن تقترن به عملية رقابة ولأن التخطيط لا يحقق أهدافه إلا بوجود الرقابة وبذلك المفهوم التخطيطي للموازنة بأن التخطيط والإدارة والرقابة هي عناصر تكمل بعضها البعض في نظام الموازنة العامة ولأن هذا النظام مهما كان أولياً فإنه أعد من أجل أن يحقق أغراضاً ثلاثة هي التخطيط والإدارة والرقابة ولا يمكن الفصل بين هذه الأغراض لنظام الموازنة واختلاف مفهوم الموازنة من مفهوم إلى أخر هو بسبب سيطرة غرض على غرض اخر لنظام الموازنة .
5- المفهوم الاقتصادي للموازنة
بعد أن تحولت السياسة المالية من مجرد الاهتمام بالنفقات العامة والإيرادات العامة إلى التدخل المباشر في النشاط الاقتصادي من أجل إنعاش الاقتصاد القومي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي أصبح هناك مفهوم أخر للموازنة وهو المفهوم الاقتصادي بحيث أصبحت الموازنة وسيلة لمحاربة التضخم أو الكساد الاقتصادي ووسيلة لتوازن التقلبات الاقتصادية وداعمة للتنمية القومية والتخطيط القومي وبذلك أصبحت أحد فروع دراسات تخطيط الاقتصاد القومي .
6 - المفهوم السياسي للموازنة
لما كانت الموازنة العامة للدولة تشمل جميع أنشطة الدولة السياسية والمالية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية ولكي يتحقق للموازنة النجاح فلا بد أن يشارك كل أصحاب العلاقة في إعدادها بالإضافة إلى أن المشاركة في ذلك يحقق ديمقراطية الدولة الأمر الذي يساعد على تقبل الموازنة وزيادة التعاون بين المستويات المختلفة في الجهاز الإداري للدولة من حيث التنفيذ ، وطبقاً لهذا المفهوم يمر إعداد الموازنة منذ بدايتها وحتى إحالتها إلى السلطة التشريعية بخطوات مختلفة يطبعها العمل السياسي الجماعي على مستوى كل وزارة أو مصلحة حكومية ثم يلي ذلك دور وزارة المالية في التنسيق بين مشروعات الموازنات المختلفة لإعداد المشروع النهائي المتكامل للموازنة وعرضه على مجلس الوزارة الذي يقوم بدراستها على ضوء السياسة العامة للموازنة واتجاهاتها والمحددة سلفاً ثم تعرض بعد ذلك على السلطة التشريعية للموافقة عليها .
7- المفهوم القانوني للموازنة
يرى فقهاء القانون أن الموازنة العامة للدولة هي قانون لأنها تمر بنفس الإجراءات التي يمر بها اي قانون أخر بالإضافة إلى إشتمالها على أحكام قانونية تنظم مالية الدولة وما تشمله من نفقات وإيرادات لا يمكن الخروج عنها فلا يمكن مثلاً زيادة حصيلة الدولة برفع نسب ومبالغ الضرائب والرسوم بخلاف ما هو محدد قانوناً إلا بعد الحصول على موافقة السلطة التشريعية وما يؤكد أن الموازنة هي قانون بحسب رأيهم اشتمال معظم الدساتير والتشريعات على أسلوب إعداد مشروع الموازنة وكيفية إقرارها ومن هنا نشأ المفهوم القانوني للموازنة العامة للدولة وأصبحت جزء من الدراسات القانونية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق