في تدوينة سابقة بعنوان الموازنة تطرقت إلى الخلفية التارخية للموازنة وكيف أن سيدنا يوسف عليه السلام كان أول من طبق الموازنة وقام بتقدير النفقات وهذا يظهر جلياً في سورة يوسف حسب سرد القرأن الكريم لقصته في مصر ، كذلك تطرقت إلى المراحل التي أدت إلى تطور الموازنة بشكلها الحالي أضف إلى ذلك المفاهيم السبعة والتي تعرف الموازنة بحسب طبيعة تلك المفاهيم ،
واليوم وفي هذه التدوينة كان لا بد أن أكمل ما بدأت وهذه هي الطريقة أو السياسة المتبعة في مدونة المحاسب الأول في التطرق للموضوعات ومحاولة طرح الفكرة وشرحها خطوة بخطوة .تختلف الموازنة العامة للدولة عن الموازنات التخطيطية لأي مشروع تجاري في أن الموازنات التخطيطية للدولة تبني أساساً على تقدير نفقات الدولة أولاً ثم تحديد تحدد بعد ذلك إيراداتها بالقدر الذي يغطي تلك النفقات أما المشروع التجاري فإنه يعد أولاً الموازنة التخطيطية للإيرادات المتوقعة على ضوء ما تسفر عنه دراسة السوق ومحاولة ضغط التكاليف للوصول إلى أكبر ربحية بأقل تكاليف ممكنة وهو بذلك يسعى للبحث عن الأنشطة الأكثر ربحية عن غيرها وبعكس موازنة الدولة التي لا تهدف إلى تحقيق ربح أو فائض إلا إذا كان ذلك يحقق بعض الأهداف الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو قد تقوم الدولة بضغط النفقات ومحاولة ترشيدها وتخفيف العب ء الضريبي المفروض على المواطنين .
ويكون هدف الربحية في المشروعات التجارية والذي يمثل الفرق بين ما حققته المشروعات من إيرادات وما تكبدته من تكاليف لتحقيق ذلك الإيراد هو المؤشر الذي يحدد مدى الثقة في كفاءة الإدارة العاملة في ذلك المشروع عن طريق ما يعطيه نظام الرقابة بالموازنات التخطيطية من تنبيه مستمر في مدى تحقيق الأرباح باعتباره الهدف الأساسي لأي نشاط تجاري ولما كانت تقديرات المشروع التجاري للإيرادات المتوقعة للنشاط الذي يؤديه مبنياً في كثير من الأحيان على التنبؤ الذي قد يؤثر عليه عوامل خارجه عن سيطرة المشروع مما يفقد معه المشروع سيطرته على إيراداته لذا فإنه لتحقيق الهدف التجاري في المشروعات التجارية تسعى تلك المشروعات إلى الرقابة على التكاليف عن طريق الموازنات التخطيطية لتحقيق أكبر عائد ممكن ،لأن عنصر التكاليف في الغالب يخضع لتحكم المشروعات التجارية في حين لا تسعى الموازنات التخطيطية للدولة لتحقيق أي عائد لأنها اعدت أساساً لهدف تنفيذ السياسة العامة للدولة وتحقيق أهداف الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولأن الدولة هي المسئولة عن تحقيق مستوى رفيع من الخدمة للمواطن في المجالات المختلفة بل قد تعمد الدولة في بعض الأحيان إلى إحداث عجز في الموازنة وصولاً لتحقيق هدف ما .
من كل ما سبق نخلص إلى أن الموازنة العامة يمكن أن تعرف بأنها خطة مالية تحدد بنود الاتفاق الحكومي لسنة مالية قادمة في ضوء توقعات الدولة لأوجه الإنفاق التي تحقق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتقدير لموارد الايرادات المتوقعة التي تغطي تلك النفقات بما تملكه الدولة من سلطة للوصول إلى توازن الموازنة مع ضرورة اعتماد تلك التقديرات من السلطة التشريعية في البلاد لإكسابها الصفة القانونية .
صفات الموازنة العامة للدولة
1- خطة مالية لأوجه الإنفاق وموارد الإيراد للدولة
2- تعتمد في تقدير نفقاتها وإيراداتها على التنبؤ المبني على أسس علمية
3- تعد لفترة زمنية قادمة سنة غالباً
4- ارتباط الموازنة العامة للدولة بخطة التنمية القائمة في البلاد
5- اعتماد الموازنة العامة من السلطة التشريعية للبلاد
6- إصدار قوانين للموازنة توضح إجراءات التنفيذ مما يعطي أرقام الموازنة صفة القانونية ( قانون الموازنة )
المبادئ العلمية التي تحكم إعداد الموازنة العامة للدولة
1- مبدأ وحدة الموازنة : أن تشمل الموازنة جميع نفقات الأجهزة الحكومية وجميع إيراداتها بحيث تشكل الموازنات الفرعية موازنة واحدة .
2- مبدأ سنوية الموازنة : أن تغطي التقديرات للنفقات والإيرادات سنة واحدة .
3- مبدأ توازن الموازنة : أن تتساوى نفقات الدولة مع إيراداتها
4- مبدأ عمومية الموازنة : أن تظهر كل النفقات وكل الإيرادات المقدرة في الموازنة دون إجراء مقاصة بينها .
5- مبدأ مرونة الموازنة : مراعاة كافة الاحتمالات عند الإعداد حتى تستطيع الموازنة الاستجابة بسرعة للتغيرات التي تحدث في البيئة الاقتصادية والإجتماعية .
6- مبدأ دقة الموازنة : بمعنى أن تتسم تقديرات الموارد والنفقات بالدقة والواقعية لأن تجاهل ذلك يؤدي إلى عدم توازن الموازنة .
7- مبدأ عدم التخصيص في الموازنة : بمعنى عدم تخصيص إيراد معين لتغطية نفقة بذاتها بهدف أن تصب كافة الإيرادات العامة في خزينة الدولة ثم توجه لتغطية جميع النفقات تبعاً لأهميتها .
إن على القائمين بإعداد الموازنة العامة للدولة أن يراعوا تلك الخصائص والمباديء التي تقوم عليها الموازنة العامة للدولة ، وأي تجاهل لأي منها لا يمكن المخططين من الوصول إلى الهدف النهائي في السيطرة على نفقات وإيرادات الدولة السنوية لتحقيق العدالة الإجتماعية التي تسعى الدولة للوصول إليها من خلال خطط التنمية المختلفة التي تنفذها .
ومن الملاحظ أن خصائص ومبادئ الموازنة العامة للدولة لا يختلف كثيراً عن خصائص ومبادئ الموازنات التخطيطية في المشروعات التجارية إلا من حيث التطبيق لتلك الخصائص والمبادئ فموازنة الدولة يتحدد إطارها العام بالإطار العام للمجتمع ككل في حين أن موازنة المشروعات التجارية ينحصر نطاقها في المشروع الذي أعدت من أجله وهنا وجب القول أن الموازنة التخطيطية للمشروعات التجارية الخاصة والعامة تعمل في ظل الموازنة العامة للدولة وفي حدود ما تسمح به هذه الموازنة ، كما أن الموازنة العامة للدولة تبني كثيراً من تقديراتها على مساهمات المشروعات التجارية في الحركة الإقتصادية .
أنواع الموازنات
وجد أكثر مننوع من الموازنات يمكن أن تتبعه الدول في إعداد تقديرات نفقاتها وإيراداتها المتوقعة لفترة مالية مستقبلية ومن أهم تلك الموازنات ما يلي :
1- الموازنة التخطيطية
تعرف بأنها " خطة شاملة ومنسقة لعمليات المشروع وموارده معبراً عنها في صورة مالية وذلك لفترة زمنية مستقبلية محددة .
خصائصها :
* الشمول : تغطي جميع الأنشطة والموارد
* التنسيق : تعمل على التنسيق بين الموازنات الفرعية
* وضع الخطة : الهدف المستقبلي للموازنة
* التعبير المالي : في شكل قيم نقدية
* العمليات : كافة عمليات المشروع من إيرادات ونفقات
* الموارد : التخطيط لمختلف أنواع الأصول
* الفترة : فترة زمنية مستقبلية محددة البداية والنهاية
وظائف الموازنة التخطيطية
تمثل الموازنات التخطيطية أداة فعالة تستخدمها الإدارة في ممارسة وظيفتي التخطيط والرقابة ، إذ تقدم هذه الموازنات التقديرات المتوقعة لمجموعات مختلفة من الخطط التي أعدت عن طريق الإدارة من أجل إختيار المناسب لها لمواجهة الحوادث غير المتوقعة وكذلك تخدم الموازنات وظيفة التخطيط من خلال استخدامها كأداة لتحليل الحساسية الذي يتناول التعرف على تأثير التغيرات لخطط الإدارة على النتائج ، كذلك فإن للموازنات التخطيطية دور في التنسيق بين الأقسام المختلفة بحيث يعمل كل قسم منها نحو تحقيق الهدف الموضوع بدون أن تتعارض جهود الأقسام المختلفة مع بعضها البعض .
وعموماً فإن للموازنات التخطيطية وظائف متعددة تستفيد منها المشروعات التي تطبقها في أنشطتها ومن هذه الوظائف :
1- المساهمة في تحقيق أهداف المشروع بأقصر الطرق وبأقل التكاليف .
2- تعريف كل المستويات الإدارية بأهداف الوحدة الإقتصادية والعمل على تحقيق تلك الأهداف.
3- تحرر الإدارة العليا من العديد من المشاكل اليومية الروتينية من خلال التحديد المسبق للسياسات والسلطات والمسئوليات ( الإدارة بالاستثناء ) .
4- الحكم على الأداء من خلال مقارنة ما تحقق بما يجب أن يتحقق .
5- العمل على رفع الروح المعنوية للعاملين واشعارهم بأهميتهم في المشروع من خلال المشاركة في تحديد الأهداف ورسم الخطط .
6- تفويض السلطات للانفاق النقدي وهذه من الوظائف التقليدية للموازنات العامة للدولة .
2- موازنة البرامج والأداء
تعرف بأنها مجموعة من الأساليب التي بواسطتها تمكن مدراء البرامج من التركيز على تنفيذ الأهداف التي تقع ضمن مسؤولياتهم بصورة دققة ومقارنة تنفيذ الأهداف حسب الوقت ، التكلفة ، المواد بمعنى أن النظام يزود من يستخدمه بمعلومات لا يمكن الحصول عليها من خلال الموازنات التقليدية حيث يساعد في الحصول على نتائج أساسية ويهئ قاعدة أفضل لإتخاذ القرارات .
وتمثل هذه الموازنة المرحلة الثانية في تطور الموازنة العامة وهدفها لا يقتصر على الرقابة المالية ولكنه يمتد إلى عنصر الكفاءه الإدارية في إنجاز الأعمال فهي تهتم بكيفية استخدام الإمكانات المالية التي تؤدي إلى رفع كفاءة الإنجاز .
وحتى يتم تنفيذ موازنة البرامج أو الأداء يجب القيام بالأتي :
* ترجمة الأهداف الرئيسية الى برامج عمل من خلال تحليلها وتقسيمها الى أهداف فرعية قابلة للتحقيق .
* تحديد وحصر نتائج وإنجازات كل برنامج بوحدات كمية قابلة للمقارنة الدورية .
* بناء نظام معلومات داخلي في كل وحدة إدارية وفي كل برنامج .
* تفعيل دور وحدات الرقابة الداخلية لتقييم الإنجازات .
* تفعيل دور التقارير السنوية لأداء الموظفين .
* بناء نظام لقياس الإنجاز وفق معايير متفق عليها .
* تعديل بعض التشريعات الضرورية من أجل ربط الأدء بالنفقة .
أهمية الموازنة العامة للدولة للاقتصاد الوطني
تعتبر الموازنة العامة من وجهة النظر المستقبلية خطة للإقتصاد العام يمتد أجلها لفترة محددة ومن وجهة النظر الماضية بأنها سجل للنفقات والإيرادات العامة ولكنها تعبر بصدق عن أهداف الدولة الإقتصادية والاجتماعية والسياسية وعن طريقها يبرز دور الدولة في دعم عملية التنمية في البلاد .
ويمكن إبراز أهمية الموازنة العامة للدولة للاقتصاد الوطني في النقاط التالية :
1- تبرز الموازنة أهداف الحكومة في الانتاج والتوزيع من خلال دراسة العلاقة بين النفقات والدخل ومن خلال دراسة المصادر المختلفة للإيرادات العامة وتطويرها .
2- يتم تحديد الأهمية النسبية لإنتاج القطاع العام بالنسبة لإجمالي الناتج القومي ومدى التأثير على سلوك القطاع الخاص في الانتاج .
3- تعتبر الموازنة العامة المرآة التي تنعكس عليها الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحكومة لذا فإن إنعكاس تلك الأهداف على إعداد وتنفيذ الموازنة يكون له أثر كبير على البناء الإقتصادي والاجتماعي والسياسي للوطن .
4- تعتبر كأسلوب للإدارة الاقتصادية لتحقيق الأهداف من خلال التفاعل والتكالم بين الخطة القومية والموازنة .
5- وسيلة من وسائل توجيه الإقتصاد الوطني تحت إشراف ورقابة السلطة التشريعية .
6- وسيلة من وسائل الرقابة على الإيرادات والنفقات العامة من أجل تقويم الأداء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق