يعتبر التفاوض من المجالات الهامة والحيوية التي ترتبط بالمنظمات على اختلاف أنواعها وطبيعة نشاطها وحجمها ، كما أن التفاوض يعتبر سمة من سمات النشاط التجاري بصفة عامة ، وعلى مستوى منظمات الأعمال فإن التفاوض هو جزء رئيسي من الأنشطة التي تمارسها هذه المنظمات ، وبالرغم من أن التفاوض التجاري قديم منذ عرف الإنسان التجارة إلا أنه لم يعد يعتمد فقط على الخبرة " التجربة والخطأ " واللباقة عند الممارسة العملية بل أصبح له مبادئ وقواعد واستراتيجيات علمية تحكمه .
وإن كانت الأصول والمبادئ العلمية لا تلغي أهمية وضرورة توافر المهارات الفردية في المفاوض مثل الثقة بالنفس والقدرة على الحوار والإقناع والاتزان والمثابرة والصبر كما أنها لا تلغي الخبرة العملية في ممارسة العمل التفاوضي ومن هنا فإن التفاوض لا بد أن يجمع بين العلم والفن لضمان نجاحه وفاعليته.مفهوم التفاوض
تتضمن كلمة " مفاوضات " باللغة العربية جانبي الأخذ والعطاء ، وتعني باللغة الإنجليزية " العملية التي تقوم على اجتماع طرفين أو أكثر لإجراء مباحثات بهدف الوصول إلى اتفاق حول قضية ما " . وهناك عدة تعريفات للتفاوض ومنها : -
1- إنها تلك العملية الخاصة بحل النزاع بين طرفين أو أكثر والتي من خلالها يقوم الطرفين أو جميع الأطراف بتعديل طلباتهم وذلك بغرض التوصل الى تسوية مقبولة تحقق مصلحة لكل منهما.
2- نوع من الحوار وتبادل الاقتراحات بين طرفين أو أكثر بهدف التوصل إلى اتفاق يؤدي الى حسم القضية أو قضايا نزاعية بينهما أو بينهم وفي نفس الوقت تحقيق أو الحفاظ على المصالح المشتركة فيما بينهم.
3- موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتم من خلاله عرض وتبادل وتقريب ومواءمة وتكييف وجهات النظر و استخدام جميع أساليب الإقناع للمحافظة على المصالح القائمة أو الحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصم على القيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية تجاه أنفسهم أو تجاه الغير .
أركان التفاوض
1- وجود مسالة أو قضية موضع اهتمام لأكثر من طرف او صراع بين أطراف معينة بحيث يسعى كل طرف من أطراف التفاوض من خلال التحاور والتفاعل والإقناع إلى إيجاد حل لها أو التوصل الى اتفاق معين تلتزم به الأطراف المفاوضة .
2 - وجود طرفين على الأقل وقد يكون الطرفان فردين أو جماعتين أو منظمتين .
3 - المفاوضات علاقة اختيارية إرادية لا تفرض على الأطراف كما لا يتم فرض حلول على الأطراف المعنية .
4 - وجود اهتمام مشترك او مصالح مشتركة بين الأطراف .
5 - اعتقاد كل طرف بأن التفاوض هو أفضل الوسائل المتاحة للتوصل الى حل مقبول أو القضية موضع الاهتمام أو للنزاع القائم أو الذي سيحدث .
خصائص التفاوض
يعتبر التفاوض عملية متكاملة وليس مجرد نشاط لمواجهة موقف طارئ أو مؤقت أو هو عبارة عن مأزق أو أزمة يسعى المفاوض للخروج أو التخلص منها ، فالتفاوض هو عملية متكاملة تحتاج إلى التخطيط والتحضير الجيد لممارستها وتنظيم مناسب من الأعمال وبناء عليه فهناك مجموعة من الخصائص التي تتميز بها العملية التفاوضية يمكن عرضها على النحو الأتي: -
1- عملية التفاوض عملية هادفة : - أي تعقد بغرض فض النزاع أو حسم الخلاف حول قضية معينة ولكن استمرارها يرتبط باستمرار المصالح المشتركة وانهيارها يترتب عليه انهيار تلك المصالح .
2- التفاوض عملية اجتماعية : - فهي تتأثر بالجو الاجتماعي المحيط وبهيكل العلاقات الاجتماعية واتجاهات الأطراف المتفاوضة والعادات والتقاليد واللغة ...إلخ كما تتأثر بالعلاقات السابقة واللاحقة بين أطراف التفاوض وبالأهداف المعلنة وغير المعلنة لكل منهما .
3- تتأثر عملية التفاوض بشخصية ومهارات المفاوضين وخبراتهم واتجاهاتهم وبالقوى والموارد المتاحة .
4 - التفاوض علم يحتاج إلى التخطيط والاستعداد الجيدين ويسترشد باستراتيجيات متنوعة ويستخدم تكتيكات متفاوتة ويستلزم متابعة وتقييم وله مبادئ وأصول تحكمه .
5- التفاوض فن من حيث اعتماده على مهارات المفاوضين وخبراتهم وذكائهم ولباقتهم وقدرتهم على التصرف .
6- العملية التفاوضية لها أبعاد سلوكية تتمثل في القدرة على الاتصال والإنصات الجيد والإدراك والقدرة على التأثير في سلوك الآخرين والتنبؤ به .
7- العملية التفاوضية لها أبعاد مستقبلية فهي لا تعالج مشاكل الحاضر بل وتأخذ في الاعتبار الآثار المستقبلية .
أشكال التفاوض التجاري في منظمات الأعمال
ان التفاوض التجاري الذي غالباَ ما تلجأ إليه الأعمال على اختلاف أنواعها وأحجامها وطبيعتها لحل النزاعات أو الخلافات أو للوصول الى اتفاق يأخذ أشكال مختلفة ومتنوعة منها باختصار : -
* التفاوض مع العملاء
* التفاوض مع الموردين
* التفاوض مع المنظمات التنافسية
*التفاوض مع المؤسسات المالية
* التفاوض مع الأجهزة الحكومية
* التفاوض مع وسائل النشر
* التفاوض في الاهتمامات والمصالح
* التفاوض في الحقوق
الطبيعة الديناميكية للتفاوض
ينطوي التفاوض في الواقع على حركة من جانب الأطراف المتفاوضة نحو بعضهم البعض حتى يتم التوصل الى حل مقبول ومرضي تتحقق من خلاله المصالح المشتركة . ويحاول كل طرف أن يتقدم أسرع من الآخر وربما في خطوات أكبر ، ويظهر هذا المفهوم الديناميكي للتفاوض والذي يحدد ان كل طرف يبعد بمسافة كبيرة عن الأخر بما يتعلق بالقضية محور التفاوض والذي يحدد كل منهما الاقتراب إلى الآخر وتقليل المسافة التي تبعد عنهما ، ولتضييق هذه المسافة بين الأطراف المتفاوضة يستوجب من كل طرف ضرورة تحديد النقطة التي يجب أن يبدأ منها التقدم وكذلك المكان الذي سوف يتقدم إليه وبالمثل يقوم الطرف الثاني في عملية التفاوض وتعتمد طبيعة الحركة التفاوضية على مهارات القائمين بالتفاوض وعلى مراكز القوى لأوضاع المفاوضين عند تحديد المكان المطلوب الوصول إليه فربما يتحرك أحد الأطراف بنشاط وبخطوات سريعة وكبيرة بينما يتحرك الطرف الآخر ببطء والعكس صحيح وربما يتحرك كلا الطرفين بسرعة وخفة وذكاء أو العكس ومن هنا كثير ما تستخدم العبارات التالية عند سير المفاوضات : " أننا نتقدم ببطء " ، " أننا نتقدم بصعوبة "
مبادئ التفاوض الفعال
تعد هذه المبادئ القواعد الأساسية التي يجب أن يتحلى بها كل مفاوض ناجح ويحاول دائماَ أن تكون هذه المبادئ متوفرة لديه ويعيها جيداَ ، علماَ بأنها مبادئ تتصل بفن العمل التفاوضي وبكافة جوانبه وهذه المبادئ هي :
1- مبدأ القدرة الذاتية :
يعكس قدرة المفاوض وشخصيته وقدرته على فهم الخصم وتفهمه لطبيعة السلوك الإنساني وقدرته على القيادة والحوار والتأثير والإقناع والاستماع وبصفة عامة تناسب قدرته على الموقف التفاوضي .
ومحور هذا المبدأ يقوم على الحفز الدائم لقدرات المفاوض والإنماء المستمر لكل مواهبه وشحذها بحيث يظل متأهبا ومتحفزاَ ومستعداَ لما يمكن أن يقوم به الخصم المفاوض من محاولة جره إلى طاولة المفاوضات مستغلاَ عنصر جديد اعتقد أنه يمكن الإستفاده به في العملية التفاوضية وعلى هذا الأساس يتطلب من المفاوض ان يكون على إلمام كامل وبشكل مستمر بكافة المتغيرات والثوابت التي تؤثر على القضية التفاوضية وعلى سيرها .
2- مبدأ المنفعة :
بالطبع لا تستمر مفاوضات لا تحقق لكل طرف منفعة معينة حتى ولو كانت هذه المنفعة تقليل حجم الأضرار والخسائر التي يمكن لأحد الأطراف تلخيصها في المقولة الشائعة : إنقاذ ما يمكن إنقاذه " وعليه فيجب باستمرار التأكد من توافر عنصر المنفعة أو المصلحة في استمرار المفاوضات لكل الأطراف وبناء عليه يجب عدم التسرع في اتخاذ قرار بالقبول أو الرفض لاي مبادرة او اقتراح يتقدم به الطرف الأخر إثناء عملية التفاوض بل يجب إخضاع هذه المبادرة لمزيد من الدراسة التحليلية لاستكشاف جوانبها الخافية والإحاطة بأبعادها حتى يكون القرار سليماَ ومناسباَ تماماَ كما أنه ليست هناك صداقة دائمة ولكن هناك دائماَ مصالح دائمة.
3- مبدأ أخلاقيات التفاوض :
يعني هذا المبدأ الالتزام بأخلاقيات التعامل في عملية التفاوض ، فالتفاوض هو عملية إنسانية واجتماعية تنطوي على علاقات ومصالح فبالرغم من شرعية المناورات والمحاورة إلا أن الخداع المتعمد أو الغش أو التضليل أو الاستهانة لا يجب أن يكون من سمات عملية التفاوض ، فالمفاوض أولاَ وأخيراَ هو ممثل المنظمة والجهة التي يتبعها وهو واجهتها وصانع سمعتها والفنان الذي يرسم صورتها للآخرين وعليه أن يتحلى بهدوء الأعصاب وأن يكون دائم الابتسام ليعكس جو من الإشراق والتفاؤل و أن لا يظهر أي قلق وأن لا يلجأ إلى الانفعال أو فرض الآراء دون مناقشة الطرف الآخر .
4- مبدأ الالتزام :
يتمثل ذلك في التزام كل طرف بتحقيق أهداف الجهة التي يمثلها من ناحية وبتنفيذ ما يتم التوصل إليه من اتفاقات
من حية أخرى إضافة إلى التزامه بمواعيد ومكان التفاوض وعدم التراجع ومحاولة تغيير بنود الاتفاقية التي تم التوصل إليها مؤخراَ سيهدد المفاوضات الناجحة بالفشل .
5- مبدأ العلاقات المتبادلة :
تظهر أهمية هذه العلاقات في حالة تكرار التعامل بين الأطراف التفاوضية ووجود مصالح مشتركة مستمرة لاحقة بينهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق