استخدم الأفراد على مر العصور وسائل متنوعة لتسهيل عملية التبادل فيما بينهم ومن أهمها:
* نظام المقايضة وهو تبديل سلعة بسلعة ( سلع بسلع )
* استخدام سلعة معينة ( مميزة ) كوحدة قياسية يتبادل على أساسها السلع مثل القمح والحيوانات والتمور والتوابل .......إلخ
* استخدام المعادن القيمة كوحدة قياسية مثل الذهب والفضة والنحاس ......إلخ
* النقود ( الورقية والمعدنية ) والتي لا زالت تستخدم حتى عصرنا هذا ، فلا عجب عندما نقول بان اكتشاف الإنسان للنقود كان من أهم الاكتشافات والاختراعات التي سهلت عملية التبادل بين الأفراد ضمن التعداد السكاني الضخم والذي تجاوز بضع البلايين.
إن نظام المقايضة الذي يقوم على أساس تبديل سلع بسلع ما هو إلا نظام تقليدي ومعروف قديماَ لكن لم يعد استخدام هذا النظام سهلاَ بسبب التعداد السكاني الضخم وبالتالي فإن استخدامه لم يساعد على تحقيق رغبات الأفراد بشكل مرتفع وكذلك الكفاءة الاقتصادية وسبب ذلك الصعوبة في تحقيق التوافق المزدوج بين رغبات المتعاملين وعدم قابلية بعض السلع للتجزئة وأيضاَ صعوبة تقدير نسب المقايضة.
فلو فرضنا أن شخصاَ ما لديه فائض من سلعة السكر لكنه بحاجه إلى سلعة اللحم فسوق يبحث عن شخص يحتاج سلعة السكر ويكون عنده فائض من سلعة اللحم فهنا يتضح أن من أهم مشاكل المقايضة أن لا تجد الشخص المناسب ليتم معه التبادل ( يأخذ سكر مقابل أن يعطي اللحم ) ، وفرضاَ لو أن هذا الشخص وجد الشخص المناسب فكيف ستتم المقايضة كل عشرة كيلو جرام سكر مقابل واحد كيلو غرام من اللحم أم ماذا ؟و من الذي يحدد نسب التبادل؟؟
مما سبق كان ذلك المثال البسيط ولذي وضح أن على الأفراد بذل جهد لا بأس به ووقت مرتفع حتى تتم عملية التبادل فيما بينهم ، ومن هنا فقد تطورت وسائل التبادل بين الأفراد مع مرور الزمن حتى أصبح هناك سلعة معينة ( مميزة ) تستخدم كوحدة قياس يتبادل على أساسها السلع مثل القمح والحيوانات والتمور والتوابل وغيره.
لقد استخدمت التمور وسيلة للتبادل في شبه الجزية العربية و تم استخدام التوابل كوسيلة للتبادل في شبه القارة الهندية بينما استخدم القمح كوسيلة للتبادل في بلاد الشام ، لكن هذا النظام لم يخل من المشاكل والصعاب ومن أهم ذلك تحديد نسب التبادل وكذلك عدم قابلية بعض السلع للتجزئة وهذه السلع تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر.
أما بالنسبة لاستخدام بعض المعادن القيمة كوحدة قياسية يتم على أساسها التبادل بين الأفراد مثل الذهب والفضة والنحاس ....إلخ ، فقد واجهت عدة صعوبات من أهمها ندرة وجود هذه المعادن وبما أن وجودها ندرة فإن استخدام الأفراد لها يجعلها تتآكل أي تفقد من وزنها وكذلك هذه المعادن ثقيلة لا يسهل حملها وكذلك صعوبة تجزئتها في بعض الأحيان وكل هذه الصعوبات كانت هي الدافع لاختراع النقود نظراَ لأهميتها للفرد والمجتمع.
تعريف النقود
تستخدم النقود في كثير من معاملاتنا اليومية ويمكن أن تكون أشياء كثيرة ولكن تعريف النقود محدد جداَ في نظر علماء الاقتصاد حيث يعرف الاقتصاديون النقود بأنها " أي شيء يلقى قبولاَ عاماَ وشاملاَ في التداول من أجل شراء السلع والخدمات وكذلك في سداد الدين "، وتتكون العملة من الأوراق النقدية والقطع المعدنية وهي أحد أنواع النقود وعندما يتكلم الأفراد عن النقود يقصدون العملة.
يعتبر تعريف النقود على أنها العملة تعريف ضيق جداَ من وجهة نظر الاقتصاديين لأن الشيكات يمكن أن تستخدم لشراء سلع ما ، وكذلك تعتبر شيكات حسابات الودائع نقوداَ والتعريف الموسع للنقود أصبح مهماَ لان ودائع التوفير تلعب دوراَ هاماَ كالنقود إذا كان يتم تحويلها بسرعة وبسهولة إلى العملة أو شيكات حسابات الودائع.
مما سبق نلاحظ أنه لا يوجد تعريف محدد جداَ ودقيق للنقود حتى من قبل الاقتصاديين ولتوضيح بعض الأمور الهامة التي تتعلق بالنقود أورد المثال التالي:
عندما يقول الناس أن خالد الحبابي غني ولديه نقود كثيرة بمكن أنهم يقصدون أنه ليس فقط لديه العملة أو لديه رصيد مرتفع في البنك لكنه يملك الأسهم والسندات والأراضي والمباني التجارية والبيوت والسيارات الفخمة ومن هنا يجب أن نميز بين النقود التي على شكل عملة وودائع الطلب والوسائل الأخرى التي تستخدم للشراء وبين الثروة وحي جميع ما يمتلك الفرد من الأصول فالثروة لا تحتوى النقود فقط لكنها تحتوي أصولاَ أخرى مثل السندات والأسهم والبيوت والسيارات والأراضي والأثاث وغيره.
وظائف النقود
هناك ثلاث وظائف أساسية للنقود في أي نظام اقتصادي مهما كان نوعها ذهباَ أم نحاساَ أم أوراقاَ نقدية أم فضة أم غير ذلك وهذه الوظائف:
وسيلة ( وسيط ) للتبادل
مقياس للقيمة
مخزن للقيمة
وسأقوم بشرح هذه الوظائف فيما يلي:
وسيلة ( وسيط ) للتبادل
تتم أغلب العمليات التجارية عن طريق استخدام النقود أو الشيكات كوسيلة للتبادل وتستخدم لشراء السلع والخدمات واستخدام النقود وسيلة للتبادل يؤدي إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية لان الوقت الذي يحتاجه الأفراد لتبادل السلع والخدمات فيما بينهم ضئيل جداَ فكما لاحظنا في نظام المقايضة يجب بذل جهد كبير ووقت طويل من أجل القيام بعملية التبادل للسلع وهذا الوقت الذي يقضيه الأفراد في محاولة لتبادل السلع والخدمات يسمى بتكلفة المعاملات التجارية وهذه التكاليف مرتفعة في نظام المقايضة لأنه ليس من السهل إيجاد الشخص الذي يبحث عن السلعة المتوفرة لديك ولديه السلعة التي تبحث عنها.
إن استخدام النقود في الاقتصاد سوف يسهل عملية تبادل السلع والخدمات بين الأفراد وان الوقت الذي يحتاجه الأفراد لإتمام عملية التبادل سيكون قليلاّ وهذا بحد ذاته يؤدي الى زيادة الكفاءة الاقتصادية.
واستخدام النقود يساعد على تقسيم العمل وان كل شخص يعمل ضمن تخصصه أي أن موظف البنك يبقى على عمله ومدرس المدرسة يستمر في عمله وسائق السيارة يستمر في عمله لأن وجود النقود سهل على هؤلاء الأشخاص الحصول على جميع السلع والخدمات التي يحتاجونها مع الاستمرار بعملهم.
ويجب أن تتوافر بالنقود المواصفات الأتيه:
1- أن تلقى قبولاَ عاماَ وشاملاَ كوحدة قياس وتحافظ على قيمتها
2- يمكن تجزئتها بسهولة
3- سهلة الحمل
4- ألا تتمزق بسرعة
النقود مقياس للقيمة
تستخدم النقود لقياس قيمة السلع والخدمات في الاقتصاد كما الكيلو جرام لقياس الوزن والكيلو متر لقياس المسافة وحتى نعرف أهمية النقود في ذلك أعود إلى نظام المقايضة ، فلو فرضنا أن هناك ثلاث سلع القمح والدجاج والتمر إذن هناك ثلاثة احتمالات يتم بها التبادل ، الأول بين القمح والدجاج والثاني بين القمح والتمر والثالث بين الدجاج والتمر ، ففي الأول يتم تحديد سعر القمح مقارنة مع الدجاج وفي الثاني يتم تحديد سعر القمح مقارنة مع التمر وفي الأخير يتم تحديد سعر الدجاج مقارنة مع التمر وبالتالي فنحن بحاجه إلى ثلاث أسعار في حالة وجود ثلاث سلع.
لكن اذا فرضنا أن هناك عشر سلع فنحن بحاجه إلى خمسة وأربعين سعراَ كما هو موضح بالمعادلة أدناه
10 ( 10 – 1 ) مقسوما على 2 = 45
ولكن العملية تصبح معقدة في حالة زيادة عدد السلع وبالتالي فإن وجود النقود جعل التعامل مع هذه المشكلة المعقدة في غاية البساطة حيث يتم تحديد القيمة المالية لكل سلعة.
إن استخدام النقود كوحدة قياس أو قياس للقيمة يقلل من تكاليف المعاملات التجارية بالاقتصاد عن طريق تقليل عدد الأسعار التي نحتاجها وبالتالي توفير الجهد والوقت والفائدة من ذلك تزداد عندما يصبح الاقتصاد أكثر تعقيداَ وبالتالي فالنقود تستخدم لقياس الناتج المحلي الإجمالي.
النقود مخزن للقيمة
إن ما يميز النقود عن غيرها من السلع هو أن بعض السلع يصعب تخزينها لفترة طويلة بينما النقود يمكن تخزينها لفترة طويلة دون أن تتلف ، تحافظ النقود على القوة الشرائية لها بالمستقبل ولذلك كثيراَ من الأفراد لا ينفقون دخولهم مباشرة بل يحتفظون بجزء منها للمستقبل ( الادخار ) وهذا يعني أن وجود النقود جعل هماك فاصل زمني بين عمليات البيع والشراء فالموظف على سبيل المثال عندما يستلم راتبه لا يقوم بإنفاقه بنفس اليوم الذي يحصل عليه بل يدخر جزء منه للمستقبل أو لمقابلة احتياجات طارئة نظراَ لسهولة حفظ النقود كما أن تكلفة تخزينها معدومة.
نستخدم النقود والأسهم والسندات والمجوهرات والأراضي كمخزن للثروة لكن هناك أصول كثيرة تعتبر أفضل من النقود كمخزن للقيمة حيث أن هذه الأصول تحقق عائداَ لأصحابها أكثر من النقود لكن السؤال المهم لماذا يحتفظ الأفراد بالنقود إذا كانت هذه الأصول تحقق عائداَ أكبر من النقود؟؟؟
إن جواب هذا السؤال مرتبط بفكرة السيولة الاقتصادية الهامة ، وتعرف السيولة على أنها مدى سهولة وسرعة تحويل الأصول إلى وسيلة للتبادل وتعتبر النقود أكثر الأصول سيولة على ألإطلاق لأنها وسيلة للتبادل ويتم استخدامها مباشرة لشراء السلع والخدمات ، لكن الأصول الأخرى تتضمن تكاليف المعاملات التجارية عندما يتم تحويلها إلى النقود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق