سبق وأن تحدثت في تدوينة سابقة عن الإدارة الإستراتيجية من حيث مفهومها وأهدافها وذكرت بأنها تمثل فكراً إدارياً جديداً وتوليفة جديدة ومتنوعة من التقنيات والنماذج العملية في الإدارة الحديثة ومنهج علمي واضح وديناميكي في عملية اتخاذ القرارات الإستراتيجية التي تؤدي إلى تحقيق رسالة المنظمة وأهدافها الإستراتيجية إلآ أنني لم أتطرق إلى تقنية هامة ترتبط بالإدارة الإستراتيجية وتحليلها إلا وهي
قوى بورتر الخمس ونظراً لأهمية هذا الموضوع أضف إلى ذلك كثرة الرسائل الواصله إلى إيميل المحاسب الأول بخصوص هذه القوى ومدى تأثيرها في التفكير الاستراتيجي سأقوم بشرحها محاولاً توصيل الفكرة بصورة مبسطة وسهلة ، فلنبدأ على بركة الله .في السبعينات وضع عالم الاقتصاد بجامعة هارفرد مايكل بورتر المعيار الذهبي للكيفية التي يتم بها ابتكار وتحليل الاستراتيجيات اليوم ، وهذه الطريقة التي يطلق عليها قوى بورتر الخمس وهي تحلل المجال والبيئة التنافسية التي تعمل فيها الشركات وتوضح لنا صورة للبيئة الحالية التي تنافس فيها الشركة مما يتيح الصورة الكلية وعلى ضوئها يتم وضع الاستراتيجيات التي من شأنها أن تؤدي إلى إتخاذ قرارات فعالة تقوي جانب الشركة في المنافسة .
ويرى بورتر أن الربحية المحتملة في أي مجال يمكن أن تتحدد من خلال خمس قوى وبالتالي تحديد النجاح المحتمل للشركة ، كما تمثل هذه القوى نموذج لمراجعة وفحص الجانب البيئي الخارجي للشركة وتحديد مدى جاذبية النشاط في لحظة معينة من الوقت ويمكن استخدام هذا النموذج في أي شركة مهما كان حجمها وموقعها ومجال نشاطها كما يمكن استغلال هذا النموذج أيضاً في الرصد الدائم للسوق واتجاهاته وحركة المنافسين فيه .
والعناصر الأساسية للهيكل التحليلي " قوى بورتر الخمس " هي :
1- عوائق الدخول
تمثل عوائق الدخول الى القوى التي تحول دون دخول الشركات إلى سوق معين فيمكن أن نسمع من يقول " عوائق دخول سوق الاتصالات كبيرة للغاية " أو " عوائق دخول سوق الآيس كريم قليلة إلى حد ما "، فهذه العوائق من الأهمية بمكان وخاصة للشركات التي تعمل في مجال معين منذ فترة طويلة أو تلك الجديدة في هذا المجال وقد عدد بورتر مجموعة هذه العوائق كالتالي :
* اقتصاديات الحجم: تشير إلى قدرة الشركة على إنتاج منتجاتها او تقديم خدماتها بشكل مكثف ومن ثم البيع إلى العملاء بثمن منخفض والمنافس الذي لا يتمتع بالوفرة أو الوسائل التي تمكنه من الإنتاج الغزيز لن يكون قادراً على المنافسة في الأسعار لكنه يكون مجبراص على البحث عن طريقة أخرى يتميز بها عن منافسيه ليحظى بإقبال العملاء .
* تميز المنتج : تعتبر هذه الطريقة من التكتيكات التي تستخدمها الشركات كي تمنح منتجها مزيداً من القيمة والتفوق على منتجات منافسيها ، والماركة التجارية تمثل الأداة القوية والمؤثرة في إشعار العملاء بالقيمة ومن ثم فإنها تزيد من صعوبة أن يحظى وافد جديد إلى السوق بولاء وثقة العملاء فمثلاً سوق معجون الأسنان في أمريكا هما شركتا كريست وكولجيت والعملاء يظلون على ولائهم لمعجون الأسنان الذي يفضلونه بفضل إنفاق هاتين الشركتين مبالغ طائلة للمحافظة على ولاء عملائها .
* متطلبات رأس المال : تشير إلى مقدار المال الضروري لدخول سوق معين وتنبع الأهمية هنا من خلال توفير البنية الأساسية اللازمة لإنتاج المنتج ومدى إحتياجه للمال فحتى يكون هناك منتج متميز يتمسك به العملاء لا بد من صرف الكثير والكثير من الأموال فعلى سبيل المثال قطاع الاتصالات أو الطيران يتطلبان إنفاق أموال طائلة على الآلات والتكنولوجيا وما إلى ذلك من أجل خدمة متميزة .
* التكاليف المستقلة : قد تتمتع بعض الشركات بإمكانية الوصول إلى المواد الخام أو الأسعار الأدنى أو بالدعم الحكومي أو التبرعات والهبات وكل ذلك يمكن ان يؤثر على قدرة الشركات الناشئة على إقامة مشروعاتها من عدمه أو الحصول على رأس مال حتى تحقيق أرباح .
* الوصول إلى قنوات التوزيع : إن أصحاب الشركات والأعمال الذي يعملون بصورة مستقرة في مجال معين يكون لديهم علاقات تعود بأرباح ومكاسب على كافة الأطراف وأما الوافدون الجديد فسيواجهون تحدي إقامة علاقات جديدة أو حتى طرق جديدة ومبتكرة للتوزيع لمجرد عرض منتجاتهم في السوق على العملاء من خلال تخفيض الأسعار أو العمل على تميز منتجاتهم .
* السياسات والقوانين الحكومية : تمارس الحكومات سلطتها وتأثيرها على المجالات المختلفة ويأتي ذلك بصورة الإلزام بتراخيص وقيود تفرضها على إمكانية الوصول إلى المواد الخام وفرض الضرائب ووضع المعايير البيئية وحتى التسعير في بعض الأحيان وهذا بحد ذاته يشكل تحدياً كبيراً للشركات الجديدة .
2- تهديدات المنتجات أو المنتجات البديلة
البديل لأي منتج أو خدمة يمكن أن يكون اي منتج و خدمة أخرى تؤدي نفس الغرض وغالباً ما تقلل الشركات من شأن منافسيها من خلال عدم إدراكها لحقيقة أن المنتج أو الخدمة التي يقدمها المنافسون يمكن أن يكون بديلاً عن منتجها أو خدمتها والمثال على ذلك الكثير من الشركات الإلكترونية التي فشلت بسبب تصورها الخاطيء والذي كان مفاده " ليس هناك من ينافسنا " في حين أنه دائماً ما تكون هناك خدمات أو منتجات منافسة تحاول اجتذاب العملاء ، وقد يكون سر نجاح البديل في أنه يلبي نفس احتياجات المستهلكين رغم أنه لا يمثل نفس الخدمة أو المنتج ولا يعمل بنفس الطريقة فمثلاً السكر لا يمكن أن ترتفع أسعاره بشكل مبالغ وإلا لجأ الناس إلى البدائل كالفاكهة أو المشروبات والمنتجات السكرية الجاهزة وغيره من المنتجات التي قد تكون بديل ناجح يلبي الإحتياج .
3- قدرة الموردين على التأثير في نشاط الشركات
تحتاج الشركات إلى تسيير أعمالها والقيام بأنشطتها من خلال التحكم في جودة أو كم المنتج أو الخدمة ، وإلا مارس الموردون تأثيرهم على الشركات وأثروا على قدرتها في الدخول إلى الأسواق الجديدة بحيث تتوقف قوة تأثير الموردين على خصائص الشركات وعلى الأهمية النسبية للمبيعات ووفقاً لما قاله بورتر فإن الموردين لهم تأثير كبير في التحكم في نشاط أي شركة وذلك عندما :
* يكون هناك عدد قليل من الموردين مقارنة بالشركات التي تشتري منهم .
* أن يكون المنتج فريداً أو متميزاً
* قد يتجه المورد للإستقلال عن عملائه ويقوم بأداء مهمتهم كأن يفتح مصنع إطارات محلاته الخاصة لبيع الإطارات بدلاً من توزيعها .
إن تحول أي شركة من مورد إلى أخر قد يكبدها خسائر ونفقات كبيرة قد تعتمد على نوعية المنتج والشريحة الموجهه إليه فمثلاً عندما تتحول الشركة من مورد لأحد العطور إلى أخر قد لا يشعر المستهلك العادي بأي تغيير في التكلفة لكن أن تتحول الشركة من مورد برامج كمبيوتر إلى أخر فهذا قد يعني تكاليف أكبر تتعلق بالموارد البشرية والوقت والتدريب وما إلى ذلك .
4- قدرة المستهلكين او المشترين على التأثير في نشاط الشركات
كما للموردين من تأثير في المنافسة ومعارك السوق فإن للمستهلكين نفس التأثير ، فالمستهلكون يمكن أن يجبروا الشركات على خفض أسعارها ويطلبوا المزيد من الخدمات أو مستوى أعلى من الجودة بل وحتى يضعوا المتنافسين في مواجهة بعضهم البعض وكما هي الحال في أغلب المواقف عندما يشكل المشترون جماعات فسوف يمارسون تأثيرهم ويظلون على هذه الحال إذا :
* كانوا يشترون بكميات كبيرة لأن هذا يجبر الأسعار على الإنخفاض .
* كان المنتج غير متميز والبدائل المتاحة أمام المشترين في تزايد .
* كان المنتج الذي يشترونه يشكل مكون من مكونات منتج ينتجونه .
* كانت تكاليف التحول إلى منتج اخر منخفضة .
* كان بمقدورهم الشراء مقدماً ثم الدفع في وقت لاحق .
* كان بمقدورهم التراجع عن الشراء .
5- درجة المنافسة
العناصر الأربعة السابقة مجتمعة تقودنا إلى إشعال المنافسة بين أصحاب الشركات والمشروعات وتوفر قاعدة لدراسة المنافسة ، فكل شركة تواجه منافسة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة لكنها موجودة بالفعل وتصبح اي شركة عرضة للمنافسة في اللحظة التي تظن فيها أنه لا منافس لها .
وعندما تعرف أي شركة منافسيها وتعرف ماذا يفعلون فهي تكون حينئذ في حاجة إلى تحديد ماهيتها وإثبات وجودها وهذا ما يطلق عليه الميزة التنافسية والتي تأتي من خلال الاختلاف وهذا الاختلاف يتحقق من خلال الماركة التجارية والصورة التي يرسمها العملاء للشركة في أذهانهم ، وفي أي وقت يطلب العميل منتجك بالإسم تكون قد حققت التميز والاختلاف وبالرغم من أن الأمر بسيط من الناحية النظرية فإن تحقيق التميز والاختلاف ليس بسيطاً فهو عملية يتم من خلالها تحديد نقاط الضعف والقوة إضافة إلى العقبات والافتراضات ثم يتبع ذلك بابتكار ماركة تجارية من خلال التصميم والشعار وما إلى ذلك ومحاولة صنع قيمة ملموسة تتمثل في خلق ثقة لدى العميل في منتجات الشركة .
هل أعجبك الموضوع ؟
مواضيع مشابهة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق