لعل من أكثر الأمور صعوبة وتعقيداً تلك التي تواجهها المنظمات هي تلك المتعلقة بالتجديد والتغيير ففي عام 1973 طلبت الهيئة الاتحادية في الولايات المتحدت الأمريكية من حكومة 13 ولاية رئيسية بتحديد القضايا الإدارية الهامة والمشاكل التي ستظهر عبر السنوات 20 القادمة وأحد الأفكار الهامة التي قدمت من خلال تقاريرهم اللاحقة هو القلق حول قدرة المنظمات على الإستجابة للتغيير البيئي .
فالمنظمات تواجه تغيرات مستمرة في البيئة أو القطاع الذي تعمل فيه ، بعض هذه التغيرات تكون بمثابة رد فعل أو استجابة للتهديدات البيئية الخارجية وبعضها يكون استجابة لاستثمار الفرص البيئية ، وأن المنظمات تبحث عن تحقيق التوافق والتناسب بين كل من البيئة التي تعمل فيها والقيم والموراد وعلى إجراء التغييرات لمواجهة الضغوط الناجم عن البيئة أو تلك الناجمة عن الموارد وأن معظم الشركات أو المنظمات تبحث عن الميزة التنافسية وتعمل بجدية على ادامتها وحمايتها وبذات الوقت تعمل على الإبتكار باتجاه تحسين مركزها التنافسي ولذلك ينبغي على المنظمات أن تدرك أهمية الحاجة إلى التغيير وأن تغير الثقافة التنظيمية لتنسجم مع الحالة الجديدة .
إن تصاعد معدل التغير سيقود إلى وجود حاجه متزايدة لإعاد التنظيم وعادة ما يخشى من إعادة التنظيم لأنه يعني إضطراب الوضع الراهن وهو تهديد للمصالح الرئيسية للأفراد في وظائفهم واضطراب الطرق القائمة لعمل الأشياء ولهذه الأسباب يتم غالباً تأجيل إعادة التنظيم أو التغيير المطلوب مع وجود خسارة ناتجة في الفعالية وزيادة في الكلف .
وأبدت الأحداث اللاحقة على أهمية هذه المخاوف بشأن التغير التنظيمي واليوم بجب أن يعالج المدراء أكثر وأكثر المنتجات الجديدة والنمو والمنافسة والمتزايدة والتطورات التكنولوجية وقدرة العمل المتغيرة.
وتتجه قلة من جهود التغير التنظيمي إلى الفشل التام ، ومعظم الجهود المبذولة في هذا الشأن تواجه المشاكل وفي الغالب تأخذ وقتاً أطول من المتوقع والمرغوب وأحياناً تؤثر في المعنويات وفي الغالب تتطلب معالجة واسعة بحسب الزمن الإداري أو التوتر العاطفي وكم من المنظمات التي لم تحاول حتى البدء بالتغيرات المطلوبة لأن المدراء المعنيون كانوا يخشون من أنهم غير قادرين على تنفيذها بنجاح .
إن المنظمات الفعالة ينبغي أن تكون قادرة على إدارة التغير وأن يتعاون المدراء والعاملون على إنجاز هذا التغير بدلاً من مقاومته ، فعندما تتغير الاستراتيجيات فإنه على المنظمة أن تعمل على إنجاز التغيرات في الهيكل التنظيمي والمسئوليات ولذلك يتأثر الأفراد بهذا التغيير بشكل واضح ويرى كل من كوتر وواترمان " أن معظم المنظمات والأقسام تحتاج إلى إجراء التغيرات التنظيمية البسيطة على الأقل كل سنة وإمكانية إجراء التغيرات التنظيمية الجوهرية لكل أربع أو خمس سنوات وهذا يتطلب من المدراء أن يهتموا بمتطلبات التعلم حيث يجب أن يفهموا البيئة ويحللوا متغيراتها وأن يعملوا على تقييم الاتجاهات المستقبلية للأنشطة الإقتصادية وأن يقرروا بشكل متقدم ما ينبغي عمله لإدراك الفرص والتهديدات المحتملة .
إن عملية إجراء وتنفيذ التغيير إنما تتطلب توفر الجوانب التالية :
1- إدراك الحاجة إلى التغير وهذا يمكن أن يتحقق من خلال فهم واستيعاب القائد الإستراتيجي والمدراء لحجم المسئوليات والتحديات التي تواجه الشركات .
2- توفر الموارد الضرورية والتي تشتمل على الأشكال المختلفة للمهارات بالإضافة إلى الموارد المادية وفي الطرق التي يمكن أن يستخدمها المدراء وهي عناصر القوة والتأثير وإمكانية توزيع الموارد واستخداماتها بكفاءة .
3- الإلتزام حيث أن ثقافة المنظمة تؤثر في المحتوى الذي يستجيب فيه المدراء وإمكانية القيام بالإبتكارات وأن الإلتزام يحقق الولاء لرسالة المنظمة وأهدافها .
ويرى درافت أن هناك أنواع مختلفة للتغيير تواجهها المنظمات وهي :
* التغيرات التكنولوجية وتشمل تغيرات في عمليات الإنتاج .
* التغيرات في المنتج والخدمة وهي تمثل مخرجات الأنشطة والفعاليات والأعمال .
* التغيرات الإدارية وتشمل التغير في الهيكل التنظيمي والسياسات والموازنات ونظم المكافأت .
* التغيرات في الأفراد وتشمل التغير في الاتجاهات والتوقعات والسلوك .
تحديد مقاومة التغيير
غالباً ما تواجه جهود التغيير التنظيمي بصيغة معينة من المقاومة الإنسانية وبرغم أن المدراء المعنيين هم عموماً يدركون هذه الحقيقة إلا أن بعضاً منهم لا يعطي الوقت الكافي لشرح أسباب التغيير والأهداف المنشودة لتحقيقها مما ينتج عنه مقاومة التغيير من قبل العاملين لعدم معرفتهم بالنتائج التي سوف تترتب عليه والتي قد تضر بمصالحهم .
ومن الطبيعي أن جميع الأفراد المتأثرين بالتغيير يواجهون بعض الإضطرابات العاطفية وحتى التغيرات التي تظهر أنها إيجابية أو رشيدة تتضمن خسارة وعدم يقين ومع ذلك ولعدد من الأسباب المختلفة يمكن أن يتفاعل الأفراد أو الجماعات بشكل مختلف مع التغيير ، من مقاومته بشكل سلبي إلى محاولة تقويضه بشكل هجومي إلى تطويقه بشكل تام .
وللتنبؤ بأي صيغة قد تواجه مقاومتهم يجب أن يدرك المدراء الأسباب الأربعة الأكثر شيوعاً لمقاومة الأفراد للتغيير وهذه الأسباب هي : الرغبة بعدم خسارة شي معين من القيمة ، وسوء فهم التغيير ومضامينه ، واعتقادهم أن التغيير لا ينفع المنظمة ، والقبول المنخفض للتغيير وفيما يلي شرح لكل سبب من أسباب مقاومة التغير :
1- المصلحة الذاتية المحدودة :
ان أحد الأسباب الرئيسية لمقاومة الأفراد للتغيير التنظيمي هو أنهم يعتقدون أنهم سوف يخسرون شيئاً معيناً من مكانتهم وصلاحياتهم وفي هذه الحالة يركز الأفراد على مصالحهم المفضلة وليس على مصالح المنظمة الكلية فغالباً ما تقود المقاومة إلى وجود سياسات أو سلوك سياسي .
2- سوء الفهم وغياب الثقة :
يقاوم الأفراد أيضاً التغيير عندما لا يفهمون مضامينه ويعتقدون أنه يكلفهم أكثر مما سيكسبون وغالباً تحدث هذه المواقف عندما تفقد الثقة بين الشخص القائم بالتغيير والعمال فمثلاً حينما أعلن رئيس شركة صغيرة إلى مدرائه بأن الشركة ستعقد جدول عمل مرن لجميع المستخدمين لم يسبق أن تمت مقاومته وأدخل المفهوم بحلقة نقاشية على مستوى الإدارة وقررت استخدامه لجعل ظروف العمل في الشركة أكثر جاذبيه خصوصاً للموظفين الكتابيين بالمصنع وبعد الإعلان بفترة قصيرة بدأت اشاعات عديدة بالتداول بين عمال المصنع ولا يعرف اي منهم حقاً ما الذي تعنيه ساعات العمل المرنة وكثير منهم لا يثق بالإدارة وإحدى الإشاعات مثلاً أكدت ذلك ساعات العمل المرنة فقط في المساء والعطل الأسبوعية .
3- التقديرات المختلفة :
السبب الأخر الشائع لمقاومة الأفراد للتغيير التنظيمي هو أنهم يقدرون الموقف بشكل مختلف عن مدرائهم أو أولئك الذين يباشرون التغيير ويعتبروه مكلف أكثر مما يفيد ليس فقط لأنفسهم وإنما لمنظماتهم وغالباً ما يفترض المدراء الذين يقومون بتغيير معين بأن لديهم جميع المعلومات الملائمة المطلوبة لإدارة تحليل كافي عن المنظمة وأن أولئك الذين سيتأثرون بالتغير لديهم نفس الأفكار عندما لايكون الافتراض صحيحاً وفي أية حالة فإن النقص في المعلومات التي تعمل المجاميع بها غالباً ما يقود إلى نقص في التحليلات والتي تقود تباعاً إلى المقاومة وأيضاً اذا قام بالتحليل أولئك الذين لم يقوموا بالتغيير وكان أكثر دقة من ذلك التحليل الذي عمله القائمون بالتغيير فستكون المقاومة واضحة جاً في المنظمة غير أن الإحتمال ليس واضحاً لبعض المدراء الذين يفترضون أن المقاومة هي دائماً سيئة ولذلك دائماً يواجهونها .
4- القبول المنخفض للتغيير :
أيضاً يقاوم الأفراد التغيير لأنهم يخشون بأنهم لن يكونوا قادرين على تقديم المهارات الجديدة والسلوك الذي سيكون مطلوباً منهم ويتطلب التغيير التنظيمي من الأفراد التغيير بسرعة وبشدة ويؤكد بيتردراكر أن العقبة الرئيسية على النمو التنظيمي هي عدم قدرة المدراء على تغيير مواقفهم وسلوكهم بالسرعة التي تتطلبها منظماتهم وحتى عندما يفهم المدراء فكرياً الحاجة للتغييرات بالطريقة التي يعملون بها فهم احياناً غير قادرين على أداء التحول .
وبسبب القبول المحدود للتغيير فان الأفراد سيقاومون أحياناً التغيير حتى عندما يدركون أنه أمر جيد فمثلاً نجد أن الفرد الذي يحصل على وظيفة هامة أكثر عرضة لتغيير تنظيمي معين فربما سيكون سعيداً جداً ولكن من الممكن أن يشعر هذا الفرد أيضاً أنه قلق ويقاوم التخلي عن جوانب معينة من موقف معين وستتطلب الوظيفة الجديدة سلوكاً جديداً ومختلفاً وعلاقات جديدة ومختلفة وأيضاً خسارة بعض النشاطات والعلاقات الجارية واذا كانت التغييرات هامة وقبول الأفراد للتغيير ضعيف فقد يبدأ بمقاومة التغيير بشدة لأسباب قد لا يفهمها بشكل واضح ، كما أن الأفراد قد يقاومون التغيير التنظيمي لحفظ الإعتبار وللتوجه مع التغيير فهم يفكرون بقبول أن بعض قراراتهم السابقة وإن كانت اعتقاداتهم خاطئة أو قد يقاومون بسبب ضغط مجموعة الند أو بسبب موقف المشرف .
كيف تتعامل الإدارة مع مقاومة التغيير
هناك العديد من الطرق التي يمكن للإدارة من خلالها التعامل مع التغيير بشكل ايجابي ومنها :
1- التعليم والاتصالات : وهي من أكثر الطرق شيواً للتغلب على مقاومة التغيير وتعني تعليم الأفراد حول طبيعة التغيير مسبقاً حيث يساعد اتصال أفكار الأفراد على رؤية الحاجة المنطقية للتغيير .
2- الاشتراك والتضمين : وتقوم هذه الطريقة على قيام المديرين بالتغيير على ادخال المقاومين المحتملين للتغيير في جانب معين من تصميم وتنفيذ التغيير ، فهم في الغالب يحبطون المقاومة ومع جهد الاشتراك في التغيير يصغي المبادرين بالتغيير للأفراد المعنيين بالتغيير ويسمعون نصائحهم ، وقد أظهرت الدراسات أن الإشتراك يقود إلى التعهد وليس مجرد الإذعان وفي بعض الأحيان يكون التعهد مطلوباً لنجاح التغيير ولكن مع ذلك فإن عملية الاشراك لها عقباتها فلا يقود فقط إلى حل ضعيف اذا لم يتم إدارة العملية على نحو حذر ولكن أيضاً يمكن أن تكون مضيعة للوقت وقد يحتاج إلى وقت طويل .
3- التسهيل والدعم : وتتضمن هذه العملية تحسين التدريب في المهارات الجديدة أو إعطاء المستخدمين الوقت بعد فترة مطلوبة أ ببساطة الاصغاء وتقديم الدعم العاطفي ويكون التسهيل والدعم مفيداً أكثر عندما يكمن الخوف والقلق بجوهر المقاومة وغالباً ما يتغاضى أو يتجاهل المدراء المتمرسون والمتشددون هذا النوع من المقاومة وأن العقبة الأساسية لهذه الطريقة هي أنه يمكن أن يكون مضيعة للوقت ومكلف وحتى فاشل واذا كان الوقت والمال والصبر غير متوفر فعندئذ يكون استخدام الطرق الداعمة غير عملي جداً .
4- المفاوضات والاتفاق : وتعني عرض الحوافز للمقاومين الفعليين أو المحتملين فمثلاً يمكن أن تعطي الادارة نقابة معينة معدل أجر مقابل تغيير قانون العمل ويمكن أن تزيد مزايا التقاعد للفرد مقابل التقاعد المبكر وأن التفاوض يكون ملائماً خصوصاً عندما يتضح أن فرداً ما سيخسر نتيجة لتغيير ما ومع ذلك فإن قوته على المقاومة كبيرة ، والاتفاقات مل التفاوض يمكن أن تكون طريقة سهلة نسبياً لتجنب مقاومة كبيرة ولو أنه مثل بعض الطرق الأخرى يمكن أن تصبح مكلفة .
5- المناورة والإختيار : في بعض مواقف التغيير يلجأ المدراء إلى المحاولات السرية للتأثير على الأخرين وتتضمن المناورة في هذا السياق استخداماً اختيارياً جداً للمعلومات وهيكلة حذرة للأحداث وإحدى الصيغ الشائة للمناورة هي الإختيار وبتضمن اختيار فرد ما عادة إعطاءه دوراً مرغوباً في تصميم أو تنفيذ التغيير ويتضمن اختيار مجموعة ما إعطاء أحد قادتها أوفرداً ما تحترمه دوراً أساسياً في تصميم أو تنفيذ تغيير ما وهذه ليست صيغة للاشتراك لأن المبادرين لا يريدون نصيحة المختار وإنما مجرد موافقته .
6- الإكراه الصريح والضمني : أخيراً فإنه غالباً ما يتعامل المدراء مع المقاومة بشكل قسري وهنا يجبرون الأفراد على قبول تغيير ما عن طريق تهديدهم بشكل صريح أو ضمني ( بخسارة الوظيفة وإمكانيات الترقية وهكذا ) أو عن طريق طردهم أو نقلهم ، وكما مع المناروة فان استخدام الإكراه هو عملية خطرة لأن الأفراد يستاؤون حتماً من التغيير القسري ولكن في مواقف حيث تكون السرعة أساسية وحيث تكون التغيرات مألوفة بعض النظر عن كيفية تقديمها يكون الإكراه هو الخيار الوحيد للمدير .
هل أعجبك الموضوع ؟
مواضيع مشابهة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق