في ضوء الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي وتنامي استخدامها وتأثيرها، يحتدم الجدل في الأوساط الإعلامية وغيرها حول ما إذا بات “الإعلام الاجتماعي” يشكل تهديدا أو بديلًا للإعلام الكلاسيكي.
هناك أكثر من 200 مليون مغرّد نشط على تويتر ينشرون أكثر من 400 مليون تغريدة في اليوم. ويستخدم فيسبوك أكثر من مليار شخص. ويزور يوتيوب شهريًا أكثر من مليار شخص يحملون أكثر من 72 ساعة فيديو كل دقيقة. أي لو كان أي من يوتيوب أو فيسبوك بلدا لكان ثالث أكبر بلد في العالم بعد الصين والهند من حيث التعداد السكاني.
لا خلاف على أن “الإعلام الاجتماعي” فرض نفسه بقوة على الساحة بفضل انتشاره وشعبيته الواسعتين، وقدرته الكبيرة على التأثير والتغيير والتواصل والتفاعل، ولكنه لا يمكن أن يكون بديلًا للإعلام الكلاسيكي لأنه ببساطة لا يخضع لأي معايير أو أسس تجعله مصدرًا موثوقًا للأخبار.
أما أن يقال إن شبكات التواصل الاجتماعي تجعل أي شخص يحمل هاتفا ذكيًا متصلًا بالإنترنت إعلاميا، ففي ذلك مبالغة كبيرة وبعد عن الواقع.
في رأيي، وسائل التواصل الاجتماعي لا تهدد الإعلام، بل على العكس تزيد من أهميته.صحيح أن كمًا متناميًا من المواد الصحفية اليوم مصدرها مراسلون وصحفيون هواة، أو ما باتوا يعرفون بـ “المواطنين الصحفيين”، إلا أن دور الإعلام الكلاسيكي لم يتضاءل من جراء ذلك، بل تعاظم.
فدور وسائل الإعلام لا يقتصر فقط على نقل الخبر وإنما تحريره بمهنية ودقة وحياد، ووضعه في إطاره الصحيح، وطرحه مدعمًا بالبراهين والأرقام، وتأكيدات أصحاب الشأن والجهات المعنية وأهل التخصص.
ومن المعروف أن غرف الأخبار عمومًا تتبنى سياسات صارمة للتحقق من الأخبار والتأكد من دقة أي معلومة قبل نشرها، وغالبًا ما يمر الخبر عبر أكثر من مرحلة أو نقطة تدقيق قبل وصوله إلى الجمهور. أما على شبكات التواصل الاجتماعي فأي شخص ينشر ما يشاء دون رقيب، والجميع ينشد السبق على حساب أي شيء آخر.
لا شك بأن شبكات التواصل الاجتماعي تقدم خدمات وفوائد جمّة لوسائل الإعلام، فالمحتوى الإخباري الذي ينتجه الأخير يشكل جلّ ما يتناقله الناس كمًّا ونوعًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وعلاوة على ذلك فإن هذه الشبكات تساعد وسائل الإعلام على الوصول إلى جمهورها بسهولة وسرعة كبيرتين.
والأهم من ذلك كله أن شبكات التواصل الاجتماعي تمثل أداة بالغة الأهمية والفاعلية لجمع الأخبار. فيوما بعد آخر يزداد إقبال الجهات الرسمية والمنظمات الدولية والمشاهير على استخدام الإعلام الاجتماعي، وبشكل خاص تويتر، لنشر أخبارها، ما زاد أهميتها كوسيلة لجمع الأخبار بالنسبة لوسائل الإعلام عمومًا. وكثيرة هي الأخبار التي نُشرت أولًا عبر منصات التواصل الاجتماعي قبل أن تتناقلها عنها وسائل الإعلام، ونذكر منها خبر التعديل الوزاري في دولة الإمارات، وإعلان الزفاف الملكي في بريطانيا، وسقوط طائرة الركاب في نهر هادسن في نيويورك، ووفاة ويتني هيوستن.
وشاهدنا كذلك كيف أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما فوزه بولاية ثانية عبر تغريدة من حسابه الرسمي على “تويتر”.
وكان رئيس “سي.إن.إن” الجديد جيف زكر وصف تويتر في تصريح له بـ “العدو الصديق”، وقال إنه لا يمكن لأية وسيلة إعلام منافسة تويتر في سرعة نقل الأخبار. وأيّده في ذلك الرأي أيضًا الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، إريك شميت.
ولكن لـ”الإعلام الاجتماعي” سلبياته ومساوئه، ولعل أبرزها حالة الفوضى الشديدة التي خلّفها الكم الهائل من الأخبار المغلوطة والصور والفيديوهات المفبركة والمعلومات المضلّلة التي تنتشر انتشار النار في الهشيم عبر مستخدميه. وهذا تحديدًا ما يزيد أهمية الإعلام كمهنة، ويعزز دور الإعلاميين. فأسس مهنة الإعلام لم تتغير، وما زالت تستند إلى الدقة والموضوعية في تحرير الأخبار ونقلها. والقواعد لا تتغير بتغير الوسيلة.
كل ما هنالك أن ظهور “الإعلام الاجتماعي” وانتشاره ضاعف الأعباء على الإعلاميين والمراسلين إذ باتوا مطالبين بمتابعة تويتر وفيسبوك ويوتيوب، والتحقق مما يتناقله ملايين المستخدمين يوميًا من معلومات وفيديوهات وصور.
من وجهة نظري، ليس هناك إعلام جديد وقديم. الإعلام هو ذاته لم يتغير، ما تغير وتطور هي الأدوات. ثمة ممارسات تقليدية وإعلاميون تقليديون، وفي المقابل ثمة إعلام معاصر وإعلاميون مبدعون. وأميل إلى تشبيه وسائل التواصل الاجتماعي بأمواج عالية في بحر الإعلام، على الإعلاميين تعلّم ركوبها للوصول إلى هدفهم الذي لم يتغير وإنجاز مهمتهم التي لم تتبدل.
وعموما أرى بأن الإنترنت هي التي قادت ثورة الإعلام الجديد وما زالت. وما الإعلام الاجتماعي إلا جزء من إعلام الإنترنت أو الإعلام الرقمي الذي تدور في فلكه كل وسائل الإعلام اليوم.
وخلاصة القول إن على الإعلام الكلاسيكي النظر إلى منصات التواصل الاجتماعي على أنها أدوات مكمّلة من الضروري أن يتقن فنون التعامل معها على الوجه الذي يخدم هدفه ويساعده على إنجاز مهمته.